٤- أن يكون النصّ أو الرواية التاريخية، هو الحكم، هو مادة البناء الأساسية.. أن يحرّر من أيّة محاولة لتقييده بحكم مسبق، أو إغراقه بالتعليل والتحليل على حساب الواقعة نفسها.. أن تترك له حرية التعبير عن ذاته لكي ينطق بما كان فعلا لا بما يراد له أن يكون، وبما أنّ النصوص التاريخية للسيرة على قدر كبير من الاستيعاب للدقائق والتفاصيل، فيما لم يتهيّأ بهذا الخصب والغنى لأيّ سيرة أخرى في تاريخ البشرية، وذلك بفضل الروافد العديدة التي قدمت هذه التفاصيل، وغذّتها، وحمتها من الضياع في الوقت نفسه (وبخاصة القرآن الكريم، ومجاميع الحديث، وكتب السير والشمائل، فضلا عن كتب المغازي والمدوّنات التاريخية) .. فإنّ النشاط المحوري في كتابة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهمّته الأساسية تنصبّ على العرض والترتيب والتركيز، واعتماد منهج سليم في العمل، ولغة مناسبة قديرة على التوصيل بشروطه المعاصرة.
وبالتّالي فإنّ التأليف في السيرة لا يجابه بالضرورة- وكما يؤكّد الندويّ- صعوبة وغموضا ولا يقتضي افتراضا ولا قياسا، كما هو الحال في التراجم الآخرى حيث تشحّ المادة، وتتضارب الروايات، وتنتشر الفجوات الزمنية، وتتناقض الشواهد التاريخية، ولعلّ هذا هو الذي يفسّر ما يلحظه القارىء في سياق الكتاب من اعتماد متزايد على النصوص (الحرفية) ، ذلك أنّ هذه النصوص إذ تستكمل شرطيها الأساسيين وهما الوضوح في العرض والغنى في التفاصيل، لا تحتاج في كثير من الأحيان إلى بيان أو إضافة أو تعليل.
ورغم ذلك كلّه فإنّ تقديم صورة مطابقة أمر مستحيل، لا سيّما وأنّنا نتعامل هاهنا مع ظاهرة النبوّة ذات الارتباطات الغيبية المتشابكة، فكلّ