البيت، فازداد العمران، وتوسّع النطاق على مرّ الزمان، وحلّت البيوت المرصوفة بالحجر، أو المبنية بالطين والحجر محلّ الخيام والأخبية، وانطلقت الحركة العمرانية ممّا يلي المسجد الحرام إلى بطحاء مكّة في أعلاها وأسفلها، وكانوا يبنونها أوّل الأمر بحيث لا تستوي على سقوف مربّعة احتراما للبيت، ثمّ هان عليهم ذلك بالتدريج، فلم يروا بذلك بأسا، وتوسّعوا فيه، إلا أنّهم كانوا لا يرفعون بيوتهم عن الكعبة.
وزعم بعض أهل الأخبار أنّ أهل مكّة كانوا يبنون بيوتهم مدوّرة تعظيما للكعبة، وأوّل من بنى بيتا مربّعا «حميد بن زهير» ، فاستنكرته قريش.
وكانت بيوت أثريائها وساداتها مقامة بالحجر، وبها عدد من الغرف، ولها بابان متقابلان، ليتمكّن النّساء من الخروج من الباب الآخر، عند وجود ضيوف في الدّار.
ومن أعلى جبل أبي قبيس الذي يشرف على مكّة من الشرق، يبدو شكلها المستطيل من الشّمال إلى الجنوب في بطن واد ضيق، وعندما ينظر إليها المرء لأول وهلة فإنّه لا يكاد يميّزها عن الأديم الذي تقوم عليه، إنّ الجبال الجرداء الصخرية التي تحيط بها لا تفصلها عنها أية واحة، فليس بينها وبين مكّة أيّ بقعة خضراء، وإنّ سطوح منازلها لتختلط بمنهار الصخور التي تحدّرت على سفوح تلك الجبال.
أمّا بعد أن تراض العين شيئا فشيئا، فإنّها تميّز البيوت والدّور، وتكشف المداخل الخفيّة، ويتنبّه الإنسان بغتة لمنظر مفاجىء لمدينة كبيرة، لم يكن يظنّ وجودها في هذا المكان، إنّ العين تراها تكبر دون حدّ؛ حتّى ليكاد الإنسان يعزو اتساعها المفاجىء إلى سحر ساحر، وتبدو الصّخور بدورها