٦- يرى الندويّ ضرورة تسليط الضّوء عى البيئة التي ظهر فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وتشكّلت سيرته على أرضيتها.. البيئة ببعديها التاريخي والجغرافي، وبامتداديها المحلّي والعام (ويمكن أن تكون الخرائط الدقيقة التي أرفقت بالكتاب امتدادا لهذه الضرورة) .
ويكاد يكون مؤلّف الندويّ، من بين قلّة من المؤلّفات الحديثة، التي تناولت السيرة، من أولى اهتماما ملحوظا بهذه المسألة، وخصّص لها مساحات واسعة في كتابه «١» .
ورغم أنّ معطيات السّيرة، في المنظور الإسلامي، تتجاوز في نهاية الأمر حدود الزمن المرحليّ والمكان المحدود، باتّجاه كلّ زمن وكلّ مكان، ورغم أنها- في هذا المنظور نفسه- تشكّلت في جانبها الخاص بظاهرة النبوّة، بعلم الله اللدني الشامل الذي يعلو على نسبيّات الجغرافية ومتغيرات الحركة التاريخية، فإنّها- أي السيرة- وفي المنظور الإسلامي كذلك، ابنة بيئتها، وليدة زمنها وجغرافيتها، إذ لا يمكن بحال فصل نسيجها عن ارتباطه المتشابك بالبيئة.. بل إنّنا لو تابعنا مفردات السيرة واحدة واحدة، لرأيناها لا تكاد تتحوّل إلى «العام» إلّا بعد اجتيازها (الخاص) وتعاملها معه، وسنكون غير علميّين بالمرّة لو أنّنا أغفلنا هذا الارتباط بحجّة عالمية الرسالة وديمومتها، وعدم تقيّدها بالنسبيّ أو المحدود، وسنقع كذلك في المظنّة
(١) انظر مثالا واضحا حيث يفرش المؤلف تحليله للبيئة الجاهلية لدى ظهور الإسلام عبر حلقاتها الثلاث: العالم، الجزيرة العربية، ثم مكة، على هذا المدى الواسع من الكتاب، وذلك للاطلاع على طبيعة تحليله للبيئة المدنية (في يثرب) . ولا ينسى المؤلف أن يعرّف القارىء بالملوك والحكام الذين كتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسائله المعروفة يدعوهم فيها إلى الإسلام.