التي أسرت الفكر الغربي، وهذه النظرة أحادية الجانب تلك التي تتشنج على مساحة محدّدة من الظاهرة، وتتشبّث بها دون أن تقلبها على وجوهها لمتابعة الجوانب الآخرى، وهاهنا بصدد السّيرة، فإنّنا يجب أن نولي اهتماما للوجهين معا: العام والخاص، المطلق والبيئي، لأنّ إغفال الجانب الثاني سيجرّنا إلى المثالية بمفهومها التجريدي المنفصل عن الواقع والأرضية.
وإنّنا بمجرّد أن نلقي نظرة ولو سريعة على أسباب النزول في القرآن الكريم، فلسوف نرى بأمّ أعيننا كيف أنّ كثيرا من التعاليم والقيم القرآنية، تخلّقت من تفاصيل بيئية صرفة.. من حدث تاريخيّ عابر أو تحدّ جغرافيّ محدود.. من تجربة هذا الرجل أو ذاك، ومن محنة هذه الجماعة أو تلك.. من سؤال أو اقتراح قد يتقدّم به هذا الصحابيّ أو ذاك فيما يعايشونه يوما بيوم وخطوة بخطوة.. لكنّ هذه التعاليم والقيم لم تأسرها مواصفات البيئة ونسبياتها، ولا أريد لها أن تكون كذلك، إذ أنّها سرعان ما تجاوزت ظروف تشكّلها، الخاصة صوب العام.. صوب المطلق، بعيدا عن متغيرات الجغرافية والتاريخ لكي نتعامل مع الإنسان في كلّ زمن ومكان.
ولقد شاء علم الله- الذي هو سبحانه أعلم بمن خلق- ألّا يصوغ القيم والتعاليم في كتابه الكريم، وسنّة نبيّه عليه أفضل الصلاة والسلام، في الفراغ أو من الفراغ، إنما جعلها سبحانه تتشكل في البيئة، في الجغرافية والتاريخ، وبتبادل واقعيّ منظور بين الطّرفين لكي تكون أشدّ حضورا، وأعمق تأثيرا، وذلك مذهب مهمّ من مذاهب التربية العقيدية عبر التاريخ.
ونحن نعرف، على سبيل المثال فحسب، لماذا لم تتنزّل المقاطع