وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر الإذن من الله في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة.
ولم تكن هجرة المسلمين من مكة هيّنة سهلة تسمع بها قريش، وتطيب بها نفسا، بل كانوا يضعون العراقيل في سبيل الانتقال من مكة إلى المدينة، ويمتحنون المهاجرين بأنواع من المحن، وكان المهاجرون لا يعدلون عن هذه الفكرة، ولا يؤثرون البقاء في مكّة، مهما دفعوا من قيمة، فمنهم من كان يضطرّ إلى أن يترك امرأته وابنه في مكّة، ويسافر وحده، كما فعل أبو سلمة، ومنهم من كان يضطرّ إلى أن يتنازل عن كلّ ما كسبه في حياته وجمعه من ماله، كما فعل صهيب رضي الله عنه.
قالت أمّ سلمة- رضي الله عنها-: لمّا أزمع أبو سلمة- رضي الله عنه- الخروج إلى المدينة، رحّل لي بعيره، ثم حملني عليه وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثمّ خرج يقود بي بعيره، فلمّا رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، وأخذوني منه.
قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم.
وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، ففرّق بيني وبين ابني وبين زوجي، فكنت أخرج كلّ غداة، فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنة أو قريبا منها، حتى مرّ بي رجل من بني عمّي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي، فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة،