للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمسلمين، لأنّهم جميعا يلتقون على الإيمان بالنبوات والإيمان بالبعث، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، وهم أقرب الأمم إلى المسلمين في توحيد ذات الله وصفاته- على ما اعترى هذه العقيدة عند اليهود من الوهن بحكم التأثر بالأمم الجاهليّة التي جاوروها، والبلاد الوثنيّة التي قضوا فيها أيام الجلاء والنفي الطويلة، وما دخل فيها من الغلوّ والتقديس لبعض أنبيائهم، كما شرحناه في كلامنا على الوضع الدينيّ لليهودية في القرن السادس المسيحيّ «١» .

فكانت كلّ القرائن تدلّ على أنّهم يلتزمون هذا الحياد، إن لم يشايعوا الإسلام الذي جاء مصدّقا لكتابهم، والنبيّ الذي دعا إلى الإيمان بأنبياء بني إسرائيل، وأعلن القرآن على لسان المؤمنين فقال: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: ٢٨٥] ، ولو كان ذلك لكان للتاريخ البشريّ- فضلا عن التاريخ الإسلاميّ- اتجاه آخر، ولكفيت الدعوة الإسلاميّة الشيء الكثير من المشاكل والقضايا التي أثارها الصراع بين الإسلام واليهودية، والنضال بين المسلمين الذين كانوا في دور النشوء والتكوين وبين اليهود الأقوياء الأغنياء المثقّفين.

ولكنّ ذلك لم يكن لسببين رئيسيين:

أوّلهما: ما طبع عليه اليهود من حسد، وضيق صدر، وجمود.

وثانيهما: ما بدأ القرآن به من نقد لما كان عليه اليهود من عقائد باطلة، وأخلاق منحطة، وعادات سيئة، وذكر لتاريخهم الماضي المليء بالأحداث من محاربة الأنبياء ودعواتهم، والاجتراء على قتلهم، وعنادهم، وصدّ عن


(١) راجع فصل «العصر الجاهلي» في الفصل الأول.

<<  <   >  >>