سبيل الله، وافتراء على الله، وشره للمال، وأخذهم الرّبا وقد نهوا عنه، وأكل أموال الناس بالباطل، وأكلهم السّحت، وتحريفهم للتوراة، وحبّهم الزائد للحياة، وغير ذلك مما زخر به القرآن.
وإذا كان مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم زعيم سياسيّ لحسب للوضع المعقّد- الذي كانت تعيشه المدينة- حسابه، وابتعد عن إثارة سخط اليهود وعدائهم، إن لم يتملّقهم ويتودّد إليهم، ولكنّه الرسول المأمور بتبليغ الرسالة، والصدع بما أمر به، وتمحيص الحقّ والباطل، وعدم مسايرة الفساد والضّلال، والمكلّف بدعوة الطوائف والأمم جميعا إلى الإسلام، وفيهم اليهود والنصارى أهل الكتاب، مهما كلّفه ذلك من ثمن ومشكلات طريفة، فإنّه هو النهج النبويّ الذي سار عليه الأنبياء قبله، وهو النهج القويم، والفارق بين السياسة والنبوّة، والزعماء القوميّين والأنبياء المرسلين.
هذا التعرّض لليهود في عقائدهم وحياتهم وأخلاقهم هو الذي أثار اليهود على الإسلام والمسلمين، فغيّروا موقفهم منهم، وناصبوا الإسلام العداء الخفيّ والسافر، وبرزوا في الميدان، وكان الكاتب اليهودي الفاضل «إسرائيل ولفنسون» دقيقا ومنصفا «١» في تحليل أسباب هذا النزاع، فقال:
«لو وقفت تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم عند حدّ محاربته للدّيانة الوثنيّة فحسب، ولم يكلّف اليهود أن يعترفوا برسالته، لما وقع نزاع بين اليهود والمسلمين، ولكان اليهود قد نظروا بعين ملؤها التبجيل والاحترام لتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأيّدوه وساعدوه بأموالهم وأنفسهم، حتى يحطّم الأصنام، ويقضي على العقائد الوثنيّة، لكن بشرط ألا يتعرّض لهم ولا لدينهم، وبشرط ألا يكلّفهم الاعتراف بالرسالة الجديدة، لأنّ العقلية اليهودية لا تلين أمام شيء يزحزحها
(١) [لم يعرف عن اليهود فضل ولا إنصاف ولا أمانة علمية] .