وقد كان الصحابة- رضي الله عنهم- مع الرسول صلى الله عليه وسلم كالأبناء للآباء، وأزواجه أمهاتهم، وكان أحبّ إليهم من والدهم وولدهم والناس أجمعين، وقد عرف صفوان بن المعطّل بالدين والصلاح والعفّة والحياء، ذكر أنّه لم يكن له أرب في النساء.
وكانت القضية لا تسترعي انتباها، ولكنّ عبد الله بن أبيّ تبنّى هذه القضية، وتحدّث بها بعد عودته إلى المدينة، وشايعه أصحابه من المنافقين، واهتبلوها لإثارة الفتنة بين المسلمين وإضعاف الصّلة التي تربطهم بمقام صاحب الرسالة العظمى ومن يتصل به من أهل، وإضعاف ثقة المسلمين بعضهم بأمانة بعض، وتورّط في هذه المكيدة بضع من المسلمين الذين أصبحوا فريسة التشهي للحديث والترديد لكلّ ما قيل من غير تمحيص «١» .
فلمّا سمعت بذلك عائشة وفوجئت به في المدينة فزعت له، وحزنت حزنا شديدا، لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل بنوم، وكبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف مصدره، فقام من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبيّ، وهو على المنبر، فقال:«يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلّا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت فيه إلا خيرا، وما يدخل على أهلي إلا معي» ، فقام أسيد بن خضير، فقال: أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، وكان عبد الله بن أبيّ من الخزرج، فاحتملت بعضهم الحميّة، وثار الحيّان، وكاد الشيطان أن يلعب بهم لولا حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه.
(١) وذلك ما أشار الله تعالى إليه بقوله: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: ١٥] .