كان من مكاسب هذا الصّلح اعتراف قريش بمكانة المسلمين، وتسليمهم لهم كفريق قويّ كريم، تبرم معه المعاهدات، ويتّفق معه على مفاوضات، ثمّ كان من أفضل ثمار هذا الصلح الهدنة، التي استراح فيها المسلمون عن الحروب التي لا أوّل لها ولا آخر، والتي شغلتهم واستهلكت قوّتهم، فاستطاعوا في هذه الفترة السلمية، أن يقوموا بدعوة الإسلام، في ظلّ الأمن والسلام، وفي جوّ من الهدوء والسكينة.
وأتاح هذا الصلح الفرصة للمسلمين والمشركين على السواء لأن يختلطوا بعضهم ببعض، فيطلع المشركون على محاسن الإسلام، وما صنع من عجائب ومعجزات في تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، وتطهير العقول والقلوب، من ألواث الشرك والوثنية، والعداء والخصومة، والضراوة بالدماء، والولوع بالحرب في بني جلدتهم الذين لا يختلفون عنهم في نسب وبيئة ولغة.
ولم يخف عليهم- رغم عنادهم وجحودهم- أن تعاليم الإسلام وحدها وصحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم هي التي ميّزتهم عن أقرانهم وبني أعمامهم، وجعلت منهم أمة غير أمة، ونمطا من أنماط البشرية غير النمط القديم، فكان في ذلك باعث قويّ على تفهّم الإسلام والاعتراف بتأثيره.
فلم يمض على هذا الصّلح عام كامل حتّى دخل في الإسلام من العرب أكثر من الذين دخلوا فيه خلال خمس عشرة سنة- ومكّة لم تفتح بعد-.
يقول الإمام ابن شهاب الزّهريّ (ت ١٢٤ هـ) :
«فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنّما كان القتال حيث التقى الناس، فلمّا كانت الهدنة ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس،