للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودامت عقيدة «أريوس» ودعوته تصارعان الدعوة المكشوفة إلى تأليه المسيح وتسويته بالإله الواحد الصّمد وكانت الحرب سجالا، وقد دان بهذه العقيدة عدد كبير من النصارى في الولايات الشرقيّة من المملكة البيزنطيّة إلى أن عقد تيوسودس الكبير) Theosodus The Great (مجمعا مسيحيا في القسطنطينيّة، قضى بألوهية المسيح وابنيّته، وقضى هذا الإعلان على العقيدة التي دعا إليها «أريوس» واختفت. ولكنّها عاشت بعد ذلك، ودانت بها طائفة من النصارى، اشتهرت ب «الفرقة الأريسية» أو «الأريسيين» .

إذا من المرجّح المعقول أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم إنّما عنى هذه الفرقة بقوله: «فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيين» فإنّها هي القائمة بالتوحيد النسبيّ في العالم المسيحيّ الذي تتزعمه الدولة البيزنطيّة العظمى، التي كان على رأسها القيصر «هرقل» «١» .

ومن الغريب أنّ بعض كبار علماء الإسلام في العصر الأول قد ذهبوا إلى هذا، فجاء في «مشكل الآثار» للإمام أبي جعفر الطّحاويّ مؤلّف «شرح معاني الآثار» المشهور (ت ٣٢١ هـ) ما نصّه:

«وقد ذكر بعض أهل المعرفة بهذه المعاني أنّ في رهط هرقل فرقة تعرف بالأريسية توحّد الله، وتعترف بعبودية المسيح له عزّ وجلّ، ولا تقول شيئا ممّا يقول النصارى في ربوبيته وتؤمن بنبوّته، فإنّها تمسك بدين المسيح مؤمنة بما في إنجيله جاحدة لما يقوله النصارى سوى ذلك، وإذا كان ذلك كذلك،


(١) اطلعت بعد صدور الطبعة الثالثة للكتاب على بحث قيم لصديقنا الفاضل الدكتور محمد معروف الدّواليبي في الأريسيين يؤيد ما قلناه أن النّبي صلى الله عليه وسلم إنما عنى بقوله: «فإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين» أتباع أريوس) Arius (الفرقة المسيحية الوحيدة القائلة ببشرية المسيح النافية لألوهيته، وقد جاء هذا البحث القيم في رسالته «نظرات إسلامية» بعنوان: «أريسيون من جديد» ص ٦٨- ٨٣.

<<  <   >  >>