السّكّر الدقيقة من أفواه النّمل (حسب المثل الأردي) ، فجاء هذا الفصل الموسّع «١» ، الذي ينير الطريق لمن يقرأ كتب السيرة، ويحاول أن يدرك عظمة البعثة المحمدية وضخامة المهمة التي اضطلعت بها والنتائج العظيمة الجسيمة التي أسفرت عنها.
وكان كلّ كتاب يؤلّف في السيرة النبوية في العصر الحديث جديرا بهذا النوع من البحث والنمط في التحقيق، وإلقاء الأضواء القوية العلمية على العصر الجاهلي والتصوير الدقيق الأمين لما كان يجيش به من فساد واضطراب، وانهيار وانتحار.
وذلك شأن البيئة التي كانت فيها البعثة، وظهور الإسلام، والبلد الذي ظهرت فيه هذه الدعوة، وولد فيه صاحب الرسالة- عليه الصلاة والسلام- وقضى فيه ثلاثا وخمسين سنة من عمره، وعاشت فيه الدعوة ثلاث عشرة سنة، فلا بدّ أن يعرف الدارس للسّيرة مدى ما وصل إليه العقل فيه والوعي والمدنيّة، ومكانة هذا البلد الاجتماعية والسياسية وحالته الدينية والعقائدية ووضعه الاقتصادي والسياسي، وقوّته الحربية والعسكرية حتى يعرف طبيعة هذا البلد وعقلية سكانه والعقبات التي كانت تعترض في سبيل انتشار الإسلام وشقه الطريق إلى الأمام.
وقل مثل ذلك وأكثر عن مدينة (يثرب) التي انتقل إليها الإسلام، وهاجر إليها الرسول وأصحابه، وأراد الله أن تكون مركز الإسلام الأول، فلا يقدّر مدى قيمة النجاح الذي حقّقه الإسلام وقدرته على التربية والبعث الجديد، وحل المعضلات، والجمع بين العناصر المتناقضة وعظمة المأثرة النبوية،
(١) جاء هذا الفصل في الباب الأول، في كتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» بعنوان: «الإنسانية في احتضار» طبع دار ابن كثير بدمشق.