للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتها في بلادها» «١» .

ولمّا كان المجتمع الإسلاميّ المدنيّ مجتمعا بشريا يعيش في واقع الحياة، وبين المشاعر الإنسانيّة، وخواطر النفس ورغباتها، كان الأفراد فيه يصيبون ويخطئون، وقد يكونون متأوّلين في تصرّفاتهم وأحكامهم، وقد يجانبهم الصواب في هذا التأويل، وذلك من خصائص المجتمعات البشريّة التي تتمتّع بالحريّة والثقة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لا يقرّهم على هذا الخطأ، يلتمس لهم العذر، ويتسامح معهم، وكان من أوسع الناس صدرا مع هؤلاء المخطئين، وأكثرهم معرفة بفضلهم وحسن بلائهم في الجهاد، وسوابقهم في الإسلام، وقد حفظ لنا الحديث وكتب السيرة النبويّة وتاريخ الإسلام مثل هذه الحوادث النادرة في الوقوع، وهو ممّا يدلّ على أمانتها وشهادتها بالحقّ.

ومن هذه الحوادث ما وقع لحاطب بن أبي بلتعة، وهو ممّن هاجر من مكّة وشهد بدرا، فقد جاء في الروايات أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا أعلم الناس أنّه سائر إلى مكّة، وأسرّ الأمر، فتجهّز الناس كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا، يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، ثمّ أعطاه امرأة، وجعل لها جعلا على أن تبلّغه قريشا، فجعلته في قرون رأسها «٢» ، ثمّ خرجت به، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السّماء بما صنع حاطب، فبعث عليا والزّبير، فقال:

انطلقا حتّى تأتيا روضة خاخ «٣» ، فإنّ فيها ظعينة معها كتاب إلى قريش.


(١) زاد المعاد: ج ١، ص ٤٢١، وابن هشام: ج ٢، ص ٣٩٧.
(٢) [قرون رأسها: أي ضفائرها] .
(٣) موضع بين المدينة ومكة، قال الفتني: بمعجمتين موضع باثني عشر ميلا من المدينة، وقيل بمهملة وجيم، وهو تصحيف، (مجمع بحار الأنوار، ج ٢، ص ١٢٠، طبع حيدر آباد، الهند) .

<<  <   >  >>