للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولمّا دخل المسجد عمد إلى البيت، فلمّا حاذى الحجر الأسود، استلمه، ولم يزاحم عليه، ثمّ أخذ عن يمينه، وجعل البيت عن يساره، ورمل في طوافه هذا ثلاثة الأشواط الأول، وكان يسرع في مشيه، ويقارب بين خطاه، واضطبع بردائه، فجعله على أحد كتفيه، وأبدى كتفه الآخر ومنكبه، وكلّما حاذى الحجر الأسود أشار إليه، واستلمه بمحجنه «١» .

فلمّا فرغ من طوافه، جاء إلى خلف المقام، فقرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: ١٢٥] فصلّى ركعتين، فلمّا فرغ من صلاته، أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثمّ خرج إلى الصّفا من الباب الذي يقابله، فلمّا قرب منه قرأ: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [البقرة: ١٥٨] أبدأ بما بدأ الله به» ، ثمّ رقي عليه، حتّى رأى البيت، فاستقبل القبلة، فوحّد الله وكبّره، وقال: «لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» .

وأقام بمكّة أربعة أيام: يوم الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، فلمّا كان يوم الخميس ضحى، توجّه بمن معه من المسلمين إلى منى، فنزل بها، وصلّى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكان ليلة الجمعة، فلمّا طلعت الشمس، سار منها إلى عرفة، ووجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتّى إذا زالت الشمس، أمر بناقته القصواء، فرحّلت، ثمّ سار، حتّى أتى بطن الوادي من أرض عرفة، فخطب الناس- وهو على راحلته- خطبة عظيمة قرّر فيها قواعد الإسلام، وهدم فيها قواعد الشّرك والجاهلية، وقرّر فيها تحريم المحرّمات التي اتّفقت الملل على تحريمها، وهي الدماء والأموال والأعراض، ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه، ووضع ربا الجاهلية


(١) [المحجن: عصا معقّفة الرّأس كالصّولجان] .

<<  <   >  >>