للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين، شديد الغيرة على روحه وتعاليمه وعلى عقيدة التوحيد، شديد الحذر مما يعرّض أمّته لخطر التورّط في الأوهام والمغالاة، وتقديس الأشخاص، والعودة إلى الجاهليّة، لا تأخذه في ذلك هوادة، ولا تمنعه من الإنكار عليه مصالح قياديّة أو اعتبارات سياسيّة، وكان في ذلك يختلف عن قادة الجماعات والزعماء السياسيين اختلافا واضحا.

ومن أوضح أمثلته ما وقع عند وفاة ابنه سيّدنا إبراهيم «١» ، فقد كسفت الشمس يوم موته، فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّ الشّمس والقمر آيتان من آيات الله- عزّ وجلّ- لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبّروا، وصلّوا وتصدّقوا» «٢» .

ولو كان مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة الحزينة العاطفيّة أيّ داع من الدعاة أو زعيم من الزعماء، أو قائد دعوة وحركة وجماعة كان أقلّ مواقفه من هذا التعليق أو التفسير للحادث السكوت، لأنّه كان في صالح دعوته وحركته، ولأنّه يضفي على شخصه وأسرته ما يستطيع أن يستعين به في بسط نفوذه على قلوب النّاس وعقولهم، وتقوية ثقتهم به، وإعجابهم له، وذلك شيء يتمناه قادة الشعوب والجماعات، ومنشئو الدّول والحكومات، ويعملون له ألف حيلة، وقد هيّأ الله له ذلك من طريق الغيب، فلا عليه إن سكت.

ولكنّه صلى الله عليه وسلم لم يحتمل سماع هذا الكلام، ولم يسكت عليه لدقيقة، بل بادر إلى إزالة هذا الوهم الذي يجرّ إلى إفساد العقيدة، وربط الحوادث الكونيّة، وسنن الله تعالى في خلقه بما يقع لأفراد البشر، ولو كانوا من الأنبياء


(١) كان ذلك في العام العاشر من الهجرة، وكان ابن سنة ونصف.
(٢) حديث متفق عليه. [انظر تخريجه في الفصل الخامس، ص ٥٥٥] .

<<  <   >  >>