«مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلمّا أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدوابّ التي تقع في النّار يقعن فيها، وجعل يحجزهنّ ويغلبنه، فيقتحمن فيها، فذلك مثلي ومثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها» ، وقال في آخرها:«فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلمّ عن النار، هلمّ عن النار، فتغلبوني وتقتحمون فيها»«١» .
لقد كانت القضيّة الكبرى في هذه القصّة كلّها أن تصل سفينة الإنسانيّة بسلامة الله وفي حفظه ورعايته إلى شاطىء النجاة، لأنّه حين يستوي الإنسان ويعتدل طبعه، وتتحلّى الحياة بالاقتصاد والاتزان، تنفعه- إذا- كلّ هذه المشروعات البنائيّة والإنمائيّة، أو الأدبيّة والعلميّة التي أوتي مواهبها كثير من أصدقاء الإنسانية وأنصارها. ومن هنالك، فإنّ الإنسانية كلّها مدينة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام- لأنّهم أنقذوها من تلك الأخطار المحدقة التي سلّطت على رأسها كالسّيف المصلت، ولا يتحرر من منّتهم وفضلهم مشروع علميّ، ولا تخطيط اجتماعيّ، ولا مدرسة فكريّة، أو فلسفيّة.
كما أنّ العالم المعاصر مدين لهم في هذا البقاء والاستمرار، وجدارة الحياة؛ لأنّ الإنسان اعترف- أحيانا كثيرة- بلسان حاله، إن لم يقل بلسان مقاله، أنّه فقد حقّ البقاء في هذه الأرض، وأنّه لا يحمل الآن أيّ رحمة وبركة، وفيض وإفادة، ودعوة رسالة للإنسانية، إنّه رفع الدعوى في المحكمة الإلهيّة ضدّ نفسه، وشهد عليها، لقد كانت ملفّاته مهيأة للحكم
(١) متفق عليه [أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي، برقم (٦٤٨٣) ، ومسلم في كتاب الفضائل، باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمّته ... ، برقم (٢٢٨٤) ، والترمذي في أبواب الأدب، باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وماله، برقم (٢٨٧٤) ] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.