للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصراخه وعويله، كما يفرح بالشراب الهنيء والطعام الشهيّ أو بالمنظر السارّ الجميل.

سرّح طرفك في تاريخ رومة التي تغنّت أوربة- وما تزال- بفتوحها وبطولاتها، وأمجادها وتشريعها وحضارتها، تجد نموذجا حيّا للقسوة البشريّة التي بلغت قمّتها في هذا العصر، يقول «ليكي» في كتابه «تاريخ أخلاق أوربة» يصوّر جانبا من همجيّة الإنسان وضراوته، ووحشيّته النادرة، يقول:

«إنّ أكثر المناظر سحرا على نفوس أهل رومة، وأعظم تسلية ومتعة لهم، حين كان يسقط الجريح في مبارزة أحد الأبطال من بني جنسه، أو مصارعة سبع ضار يتشحّط في دمه، هنالك كان يفلت الزمام، ويغلب الناس على أمرهم، ويفقدون رشدهم، فيتهالك الحشد الحاشد- وفيه النساء والأطفال والشيوخ العجّز- على الدنوّ من هذا المنظر الرهيب، والإنسان البائس الشقيّ، وهو من بني جلدتهم وأبناء بلادهم، ليمتّعوا نفوسهم بمشاهدة احتضاره، وليرنّ في آذانهم رنين أنينه، فقد كان أجمل من كلّ غناء وموسيقا، وسجع الطيور، وكان رجال الشّرطة الذين كان من واجبهم المحافظة على النظام، يقفون مشدوهين مكتوفي الأيدي أمام هذه الموجة العارمة من المتعة الظالمة الآثمة، لا يملكون من أمرهم شيئا» «١» .

لقد كانت قصّة الجاهلية الأولى أنّ حجرها الأساسيّ حاد عن موضعه، بل تحطّم وتهشّم ولم يبق أمل في إصلاحه، ووضعه في محلّه الصحيح، ووقف الإنسان أمام المحكمة الإلهيّة ينتظر الحكم النهائي الأخير في مصيره، هنالك بعث محمد صلى الله عليه وسلم ونادى صوت السماء: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] .


(١) راجع «تاريخ أخلاق أوربة» للمؤلف الإنجليزي ليكي، ج ١، ص ٢٣٠.

<<  <   >  >>