لا مجال عندها في إرادة الإنسان وتصرّفه مطلقا، وأنّ كلّ إنسان مضطرّ لا محالة لنيل عقوبة ما، لما قدّمت يداه في حياته الأولى، وذلك بالظهور في شكل سبع مفترس، أو دابّة سائمة، أو حيوان خسيس، أو إنسان شقيّ معذّب.
بينما نادت المسيحيّة بأنّ الإنسان عاص ومذنب بالولادة والفطرة، والمسيح صار كفّارة وفداء له عن هذه الذنوب، فأنشأت هذه العقيدة- بطبيعة الحال- في نفوس الملايين في العالم المتمدّن المعمور الذين اعتنقوا المسيحيّة سوء ظنّ بنفوسهم، ويأسا عن مستقبلهم، وعن الرحمة الإلهية.
هنالك أعلن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكلّ قوّة وصراحة، أنّ فطرة الإنسان هي كاللوح الصافي، الذي لم يكتب عليه بعد، ويمكن أن ينقش فيه أروع نقش، ويحرر فيه أجمل تحرير، وأنّ الإنسان يستهلّ حياته بنفسه، ويستحقّ الثواب والعقاب، والجنة والنار بعمله، وهو غير مسؤول عن عمل غيره.
فقد ذكر القرآن في مواضع كثيرة، أنّ الإنسان مسؤول عن عمله فحسب، وأنّه مثاب ومشكور على سعيه: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى [النجم: ٣٨- ٤١] .
هذا الإعلان أعاد إلى الإنسان ثقته المفقودة بفطرته ومواهبه الطبيعيّة، وانطلق إلى الأمام بعزم قويّ، وحماس زائد، وعاطفة جياشة ليصنع مصيره ومصير الإنسانيّة، ويجرّب حظّه وقدرته في تلك الإمكانيات الهائلة، والفرص الغالية.
إنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم قرر أنّ المعاصي والذنوب، والأخطاء والزلّات فترة عابرة زائلة في حياة الإنسان، يقع فيها الإنسان بجهله وغروره، وقصر نظره حينا، وبإغواء الشيطان، وإغراء النفس بعض الأحيان، وأنّ الصلاح والصلاحية،