والاعتراف بالذنب، والندامة أصل من أصول فطرته، وجوهر إنسانيته، وأنّ الابتهال إلى الله، والتضرّع إليه، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب دليل على شرف الإنسان، وأصالة معدنه، وهو ميراث آدم عليه السلام.
إنّ محمّدا صلى الله عليه وسلم فتح أمام المذنبين الخطّائين- الغارقين في حمأة المعصية والرذيلة إلى آذانهم- بابا واسعا للتوبة، ودعا إليها الناس دعوة عامّة، وشرح فضل التوبة شرحا وافيا، وأفاض فيه إفاضة نستطيع بها القول بأنّه أحيا هذا الركن الخاصّ العظيم من الدين، ولذلك سمّي «بنبيّ التوبة» من بين أسمائه الجميلة الآخرى، لأنّه ما دعا إلى التوبة كوسيلة اضطرارية يتدارك بها الإنسان ما فاته فحسب، بل إنّه رفع من شأنها حتّى صارت من أفضل العبادات، والقربات عند الله، وصارت طريقا سهلا للوصول- في أقرب وقت- إلى أقصى درجات القرب والولاية، يغبط عليها النّسّاك والزهاد، والأبرياء والأطهار من عباد الله.
إنّ القرآن شرح فضل التوبة وسعتها، ونقاء الإنسان من أكبر ذنب وأعظم معصية يتصورها الإنسان، وذلك بأسلوب جميل يستهوي القلوب، ودعا العصاة والمذنبين، وصرعى النفس والشيطان إلى اللجوء إلى الله سبحانه، والفرار إليه، والتفيّؤ بظلال رحمته، والترامي في أحضان رأفته وعطفه، وصوّر بحار رحمته الزاخرة، الواسعة الأرجاء، المحيطة بالأنفس والآفاق، تصويرا رائعا جميلا، شائقا مثيرا، يبدو منه أنّ الله سبحانه وتعالى ليس حليما رحيما، وجوادا كريما فحسب، بل إنّه- إذا صحّ هذا التعبير- يحبّ التوابين، ويشتاق إليهم، ويشكر سعيهم البليغ، ويقدّره كلّ التقدير، اقرأ الآيات التالية، وتذوّق أسلوب هذا اللطف والعطف، وجوّ الودّ الذي يغشى هذه الآيات: