للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في المملكة الإيرانيّة الواسعة، وقد حكى الطّبريّ حكاية طريفة عن عهد أفضل ملوكها وأعدلهم «كسرى أنوشيروان العادل» تدلّ كلّ الدلالة على مدى ما وصل إليه الحكم الإيرانيّ من الاستبداد والحظر على إبداء الرأي الجريء والتعليق الجريء في البلاط الإيرانيّ، فيقول:

«أمر الملك قبّاذ بن فيروز في آخر ملكه بمسح الأرض سهلها وجبلها، ليضع الخراج عليها، فمسحت، غير أنّ قباذ هلك قبل أن يستحكم له أمر تلك المساحة، حتّى إذا ملك ابنه كسرى أمر باستتمامها وإحصاء النّخل والزيتون والجماجم «١» ، ثمّ أمر كتّابه فاستخرجوا جعل ذلك، وأذن للناس إذنا عاما، وأمر كاتب خراجه أن يقرأ عليه الجمل التي استخرجت من أصناف غلّات الأرض وعدد النّخيل والزيتون والجماجم، فقرأ ذلك عليهم، ثمّ قال لهم كسرى: إنّا قد رأينا أن نضع على ما أحصي من جريان هذه المساحة من النخل والزيتون والجماجم وضائع، ونأمر بإنجامها «٢» في السنة في ثلاثة أنجم، ونجمع في بيوت أموالنا من الأموال ما لو أتانا من ثغر من ثغورنا أو طرف من أطرافنا فتق أو شيء نكرهه واحتجنا إلى تداركه أو حسمه، ببذلنا فيه مالا كانت الأموال عندنا معدة موجودة، ولم نرد استئناف اجتبائها على تلك الحال، فما ترون فيما رأينا من ذلك، وأجمعنا عليه؟

فلم يشر عليه أحد منهم فيه بمشورة ولم ينبس بكلمة، فكرّر كسرى هذا القول عليهم ثلاث مرات.

فقام رجل من عرضهم وقال لكسرى: أتضع أيّها الملك- عمّرك الله- الخالد من هذا الخراج على الفاني من كرم يموت، وزرع يهيج، ونهر


(١) [الجماجم، مفردها جمجم: الآبار، أو الفلّاحون] .
(٢) [نجّم عليه دينه: أي؛ قسطه أقساطا] .

<<  <   >  >>