للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«أبيت اللّعن» و «عم صباحا» وقد بلغت هذه الحريّة والتماسك والاحتفاظ بالكرامة بالعرب إلى حدّ كانوا يمتنعون في بعض الأحيان عن الخضوع لمطالب بعض ملوك العرب وأمرائهم، ومما يستطرف في ذلك أنّ أحد ملوك العرب طلب من رجل من بني تميم في الجاهلية فرسا له، يقال له «سكاب» فمنعه إياها، وقال أبياتا أوّلها: [من الوافر]

أبيت اللّعن إنّ سكاب «١» علق «٢» ... نفيس لا تعار ولا تباع

مفدّاة مكرّمة علينا ... يجاع لها العيال ولا تجاع

سليلة سابقين تناجلاها ... إذ نسبا يضمّهما الكراع «٣»

فلا تطمع- أبيت اللعن- فيها ... فمنعكها بشيء يستطاع «٤»

وقد سرت هذه الحريّة، والاعتداد بالنفس، والأنفة من التذلّل، إلى جميع طبقات الشعب، وعمّت الذكور والإناث، يدلّ على ذلك ما ذكره المؤرّخون العرب عن سبب قتل عمرو بن كلثوم الفارس المشهور والشاعر الفحل، لعمرو بن هند ملك الحيرة، فقد ذكروا أن عمرو بن هند ملك الحيرة أرسل إلى عمرو بن كلثوم يستزيره ويسأله أن يزير أمّه، فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب، وأقبلت ليلى بنت مهلهل في ظعن من بني تغلب، وأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات، ودخل عليه عمرو بن كلثوم في رواقه، ودخلت ليلى وهند في قبة من جانب الرّواق، وقد كان عمرو بن هند أمر أمّه أن تنحي الخدم إذا دعا


(١) [سكاب: اسم فرس، مأخوذ من سكبت الماء إذا صببته، كأنّها تسكب الجري، فسمّاه من فعلها] .
(٢) [العلق: هو نفيس المال الذي إذا علقته الكفّ ضنّت به لنفاسته] .
(٣) [الكراع: اسم يجمع الخيل والسلاح] .
(٤) ديوان الحماسة (باب الحماسة) : ص ٦٧- ٦٨.

<<  <   >  >>