فأخذها بعد الرد والكرم الكثير، وفرقها على أبناء المهاجرين والأنصار وغيرهم. وكان يقول عند مواصلة المتوكل له: وهذا أمر أشد على من ذاك ذاك فتنة الدين الضرب والحبس، كنت أحمله في نفسي، وهذا فتنة الدنيا. ولم يقبل شيئاً من ماله.
قال ابن الجوزي: وإنما أخترنا مذهبه على مذهب غيره لمرجحات منها: شهادة العلماء والصلحاء في تفرده بالعلم والتقوى، والزهد والورع. ومنها سعة أطلاعه بالكتاب والسنة، والغوص في المعاني. ومنها تأخره عن غيره من المجتهدين، وضم علمهم إلى علمه، وأنفراده بفتاوي الصحابة والتابعين. وأما القياس فله فيه من الاستنباط ما يطول شرحه، وكذا العلوم العربية، ومنها أتباع كثير من العلماء والأولياء المقطوع بولايتهم له.
(قلت) ولا سيما العالم الرباني، والوالي الكيلاني، سيدي محيى الدين الشيخ عبد القادر نور الله تعالى روضة قبره، وجعله من الفائزين برحمته عند حشره ونشره، الذى قال في حقه الشيخ ابن تيمية: إن كراماته قد ثبتت بالتواتر، بين الأكابر والأصاغر، فإنه قدس كان لمذهبه خير مشيد بل المروج المجدد. ومما ينسب للإمام أحمد من الشعر قوله:[طويل]
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهونا عن الأيام حتى تتابعت ... ذنوب على آثارهن ذنوب
فياليت أن الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توبتنا فنتوب
إذا ما مضى القرن الذى أنات فيهم ... وخلفت في قرن فأنت غريب
أنتهى ملخصاً باقتصار. وأقتطافاً من تلك الروضة اليانعة الأزهار. وإنما أطلنا في هذه القصة الكلام لخلو كثير من التواريخ عنها، وليلتقط الناظر بعض