وقد عرفت أنه ليس كذلك، بل المراد به مجموع اللفظ النفسي والمعنى وهو الذى يدور في الخلد، وتدل عليه العبارات، كما صرح به إمام الحرمين، وعليه إذا قال القائل: زيد قائم، فهناك أربعة أشياء كما ذكر المعترض وشئ خامس تركه وهو المراد، وهي هذه الجملة بشرط وجودها في الذهن بألفاظ مخيلة ذهنية على معانيها في النفس، وهذا يعنونه بالكلام النفسي فلا محذور.
(ونقول) على سبيل التفصيل: أما الأول - فجوابه إنه إنما تتم المخالفة إذا لم يكن عندهم مجموع اللفظ والمعنى، فحيث كان لا مخالفة لأن الكلام حينئذ مركب من الحروف إلا أنها نفسية غيبية في الحق، خيالية في الخلق.
وأما الثاني فجوابه أن هذا الذى لا يحصى ليس فيه سوى أن الحق سبحانه وتعالى متكلم بكلام حروفه عارضة للصوت، إلا أنه لا يتكلم إلا به، فلا ينتهض ما ذكر حجة على الشيخ، بل إذا أمعنت النظر رأيت حجة له، حيث بين أن الله تعالى لا يتكلم بالوحي لفظاً حقيقياص إلا على طبق ما في علمه، وكل ما كان كذلك كان الكلام اللفظي صورة من صور الكلام النفسي، ودليلاً من أدلة ثبوتها. والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
وأما الثالث - فجوابه أن المنعوت بانه واحد بالذات تتعدد تعلقاته هو الكلام بمعنى صفة المتكلم ووحدته مما لاشك لعاقل فيها. وأما الكلام النفسي بمعنى المتكلم به فليس عنده واحداً، بل نص في الإبانة على أنقسامه إلى الخبر والأمر والنهي في الأزل، فلا اعتراض.
وقال النجم سليمان الطوفي: إنما كان الكلام حقيقة في العبارة مجازاً في مدلولها لوجهين: أحدهما: أن المتبادر إلى فهم أهل اللغة من إطلاق الكلام إنما هوالعبارة والمبادرة دليل الحقيقة.
الثاني - أن الكلام مشتق من الكلم، لتأثيره في نفس السامع، والمؤثر إنما هو العبارات لا المعاني النفسية