للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إنى أنا الله رب العالمين} [القصص ٣٠] كانت الهمزة والنون وما بينهما موجوداً في الأزل يقارن بعضها بعضاً، لم تزل ولا تزال لازمة لذات الله تعالى.

ثم قال فريق منهم: إن ذلك القديم هو نفس الأصوات المسموعة من القراء. وقال بعضهم: بل المسموع صوتان قديم وحادث. وقال بعضهم: اشكال المداد قديمة أزلية. وقال بعضهم: محل المداد قديم أزلي. وحكى عن بعضهم أنه قال: المداد قديم أزلي. وأكثرهم يتكلمون بلفظ القديم ولا يفهمون معناه، بل منهم من يظن أن معناه أنه قديم في علمه، ومنهم من يظن أن معناه أنه متقدم على غيره، ومنهم من يظن أن معنى اللفظ أنه غير مخلوق، ومنهم من لا يميز ما هو له فصار هؤلاء حلولية اتحادية في الصفات، ومنهم من يقول بالحلول والاتحاد في الذات مع الصفات. وكان منتهى أمر هؤلاء وهؤلاء إلى التعطيل.

والصواب في هذا الباب وغيره مذهب سلف الأمة وأئمتها - أنه سبحانه لم يزل متكلماً إذا شاء، وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته، وان كلماته لا نهاية لها، وأنه نادى موسة - عليه السلام - بصوت سمعه موسى، وإنما ناداه حين أتى لم يناده قبل ذلك، وان صوت الرب تبارك أسمه لا يماثل أصوات العباد، كما أن علمه لا يماثل علمهم، وقدرته لا تماثل قدرتهم، وانه سبحانه بائن عن مخلوقاته بذاته وصفاته، ليس في مخلوقاته شئ من ذاته وصفاته القائمة بذاته، ولا في ذاته شئ من مخلوقاته. وأن أقوال أهل التعطيل ولا تحاد الذين عطلوا اللذات أو الصفات أو الكلام أو الأفعال باطلة، وأقوال أهل الحلول الذين يقولون بالحلول في الذات أو الصفات باطلة، وهذه المور مبسوطة في غير الموضع، وقد بسطناها في الواجب الكبير. والله تعالى اعلم بالصواب، والحمد لله تعالى وحده - أنتهى بحروفه.

<<  <   >  >>