الأمير فوق الوزير، والدينار فوق الدرهم. وأنت تعلم أن هذا مما تنفر منه العقول السليمة، وتشمئز منه القلوب الصحيحة، فإن قول القائل ابتداء الله تعالى خير من عباده، أو خير من عرشه، من جنس قوله: الثلج بارد والنار حارة، والشمس أضواء من السراج، والسماء أعلى من سقف الدار، ونحو ذلك.
وليس في ذلك أيضاً تمجيد ولا تعظيم لله تعالى، بل هو من أرذل الكلام، فكيف يليق حمل الكلام المجيد عليه، وهو الذى لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
على أن في ذلك تنقيصاً لله تعالى شأنه، ففى المثل السائر:[طويل]
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل للسيف خير من العصى
نعم، إذا كان المقام يقتضى ذلك بأن كان احتجاجاً على مبطل، كما في قول يوسف الصديق عليه السلام:{ {أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟} .
وقوله تعالى:{آلله خير أم ما يشركون} ، {والله خير وأبقى} فهو أمر لا اعتراض عليه، ولا توجه سهام الطعن إليه. والفوقية بمعني الفوقية المطلقة في الفضل مما يثبتها السلف لله تعالى أيضاً، وهي متحققة في ضمن الفوقية المطلقة، وكذا يثبتون فوقية القهر والغلبة، كما يثبتون فوقية الذات، ويؤمنون بجميع ذلك على الوجه اللائق بجلال ذاته وكمال صفاته - سبحانه وتعالى - منزهين له سبحانه عما يلزم ذلك مما يستحيل عليه جل شأنه، ولا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ولا يعدلون عن الألفاظ الشرعية نفياً ولا إثباتاً لئلا يثبتوا معنى فاسداً، وينفوا معنى صحيحاً، فهم يثبتون الفوقية كما أثبتها الله تعالى لنفسه.