وهو الآن على ما كان. فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التى نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنه ولا يسره، فكيف تدفع هذ الضرورة عن انفسنا؟؟ فلطم الإمام على رأسه ونزل، وأظنه قال: وبكى، وقال حيرنى الهمدانى.
وبعضهم تكلف الجواب عن هذا: بأن هذا التوجه إلى فوق إنما هو لكون السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ثم هو ايضاً منقوض بوضع الجهة على الأرض مع أنه سبحانه ليس في جهة الأرض. ولا يخفى أن هذا باطل، وما أولاً - فلأن السماء قبلة الدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة، ولا أنزل الله تعالى به من سلطان، والذى صح أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فقد صرحوا بانه يستحب للداعى أن يستقبل القبلة، وقد استقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة في دعائه في مواطن كثيرة، فمن قال: إن للدعاء قبلة غير قبلة الصلاة فقد ابتدع في الدين وخالف جماعة المسلمين. وأما ثانياً - فلأن القبلة ما يستقبله الداعى بوجهه كما يستقبل الكعبة في الصلاة وما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه مثلا لا يسمى قبلة أصلاً، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعى وجهه إلينا، ولم يثبت ذلك في شرع أصلاً.
وأما النقض بوضع الجبهة فما أفسده من نقض! فإن واضع الجبهة إنما قصده الخضوع لمن فوقه بالذل، لا أن يميل إليه إذ هو تحته، بل هذا لا يخطر في قلب ساجد.
نعم، سمع من بشر المريسى أنه يقول: سبحان ربي الأسفل. تعالى الله سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون علوا كبيراً. وتأول بعضهم كل نص فيه نسبة الفوقية إليه تعالى بأن فوق فيه بمعنى خير وأفضل، كما يقال: