غير أن يكون هناك نار وخطاب ألبته. وكذا القول في كل ماروى في كتاب الله تعالى، بل القانون أنه يجب حمل كل لفظ ورد في القرآن على حقيقة، إلا إذا قامت دلالة عقلية قطعية توجب الانصراف عنه - وليت من لم يعرف شيئاً لم يخ فيه أهـ.
ولا يخفى عليك أنه لا يلزم من فتح الباب في هذه الآية انفتاح تأويلات الباطنية فيما ذكر من الآيات. إذ لا داعى لها هناك، والداعى للتأويل بما ذكره الزمخشرى قوى عنده، ولعله الفرار من لزوم المحال مع رعاية جزاله المعنى. فإن ما أختاره أجزل من معنى الاستيلاء، سواء كان معنى حقيقياً للاستواء، كما هو ظاهر كلام الصحاح والقاموس وغيرهما أو مجازاً كما هو ظاهر جعلهم الحمل عليه تأويلاً.
واستدل الإمام على بطلان إرادة المعنى الظاهر بوجوه:
الأول: أنه سبحانه كان ولا عرش، لما خلق الخلق لم يحتج إلى ما كان غنبا عنه.
الثاني: أن المستقر على العرش لابد أن يكون الجزء الفاصل منه في يمين العرش غير الجزء الحاصل منه في يساره، فيكون سبحانه في نفسه مؤلفاً وهو محال في حقه تعالى للزوم الحدوث.
الثالث: أن المستقر على العرش إما أن يكون متمكناً من الانتقال والحركة، ويلزم حينئذ أن يكون سبحانه محل الحركة والسكون، وهو قول بالحدوث. أو لا يكون متمكناً من ذلك فيكون رجل وعلاً كالزمن بل أسوأ حالاً منه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
الرابع: أنه قيل بتخصصه سبحانه بهذا المكان وهو العرش احتيج إلى مخصص، وهو افتقار ينزه الله تعالى منه. وإن قيل: بأنه عز وجل يحصل بكل مكان لزم ما لا يقوله عاقل.