فكما أنه يعلم ولايحاط به علماً، فكذلك هو سبحانهن يرى ولا يحاط به رؤية فهو سبحانه نفى الإدراك ولم ينف الرؤية، ونفى الإدراك يدل على عظمته تعالى، وأنه من عظمته لا يحاط به. واما نفى الرؤية فلا مدح فيه فإن المعدومات لا ترى، ولا مدح لشئ من المعدومات، بل المدح إنما يكون بالأمور الثبوتية لا بالأمور العدمية، وإنما يحصل المدح بالعدم إذا تضمن ثبوتاً، كقوله تعالى:{لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم}[البقرة ٢٥٥] . فنزه سبحانه نفسه عن السنة والنوم، لأن ذلك يتضمن كمال حياته وقيوميته، كما قال تعالى:{وتوكل على الحي الذى لا يموت}[الفرقان ٥٨] فهو سبحانه حي لا يموت، قيوم لا ينام، وكذلك قوله تعالى:{لقد خلقنا السماوات والأرض في ستة أيام وما مسنا من لغوب}[ق ٣٨] فنزه نفسه المقدسة عن مس اللغوب وهو الإعياء والتعب، ليتبين كمال قدرته.
فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، موصوف بالحياة والعلم والقدرة، والسمع والبصر والكلام. منزه عن الموت والجهل والعجز والصم والبكم.
وهو سبحانه لا مثل له في شئ من صفات الكمال. وهو منزه عن كل نقص وعيب، فإنه قدوس سلام، تمتنع عليه النقائص والعيوب بوجه من الوجوه. وهو سبحانه لا مثل له في شئ من صفات كماله، بل هو الأحد الصمد، الذى لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
وهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، فيثبتون له ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، وينزهونه عما نزه عن نفسه من مماثلة المخلوقات - إثبات بلا تمثيل، وتنزيه