الناحية أو يدهب يميناص أو شمالاً ثم يصعد. ولو أن رجلاً أراد مخاطبة القمر فإنه لا يخاطبه إلا من الجهة العليا، مع أنه قد يشرق ويغرب، فكيف بما هو فوق كل شئ لا يأفل ولا يغيب. سبحانه وتعالى! وكما أن حركة الحجر تطلب مركزها بأقصر طريق وهو الخط المستقيم، فالطلب الإدارى الذى يقوم بقلوب العباد، كيف يعدل عن الصراط المستقيم - إلى أن قال: وحديث الإدلاء الذى رواه أبو هريرة، وأبو ذر، قد رواه الترمذى وغيره من حديث الحسن عن أبي هريرة وهو منقطع، فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ولكن يقويه حديث أبي ذر المرفوع، فإن كان ثابتاً فمعناه موافق لهذا. فإن قوله عليه الصلاة والسلام:((لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله)) إنما هو تقدير مفروض: أى لو وقع الإدلاء لوقع عليه، لكنه لا يمكن أن يدلى احد على الله عز وجل شيئاً، لأنه عال بالذات. وإذا أهبط شئ إلى جهة الأرض وقف في المركز.
والمقصود بيان إحاطة الخالق سبحانه، كما بين انه يقبض السماوات ويطوى الأرض، ونحو ذلك مما فيه من بيان إحاطته تعالى، ولهذا قرا في تمام الحديث:{هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم}[الحديد ٣] . وهذا كله على تقدير صحته، فإن الترمذى لما رواه قال: وفسره بعض اهل العلم بانه هبط على علم الله. وبعض الحلولية والاتحادية يظن أن فيه ما يدل على زعمه الباطل، من أنه سبحانه حال بذاته في كل مكان، أو أن وجوده وجود الأمكنة ونحو ذلك. وكذلك تاويله بالعلم غير مستقيم، بلى على تقدير ثبوته، فالمراد به الإحاطة، ونحن لا نتكلم إلا بما نعلم، وما لم نعلمه أمسكنا عنه، وقد فطر الله تعالى الناس على التوجه في الدعاء إلى جهة العلو، وقال تعالى:{فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التى فطر الناس عليها}[الروم ٣] فجاءت الشريعة بالعبادة والدعاء بما يوافق الفطرة.