وأما على قراءة الخفض فقد قال طائفة من السلف هو قولهم: أسألك بالله وبالرحم. وهذا إخبار عن سؤالها بالرحم. وقد يقال إنه ليس بدليل على جوازه، فإن كان دليلاً على جوازه فمعنى قولك: أسأل بالرحم، ليس إقساماً بالرحم، والقسم هنا لا يسوغ لكن بسبب الرحم، أى أن الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقاً، فيكون سؤاله بالرحم كسؤال الثلاثة لله تعالى بأعمالهم الصالحة، وكسؤالنا بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته.
ومن هذا الباب ما روى عن على بن ابي طالب كرم الله تعالى وجهه ان أبن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا ساله بحق جعفر أعطاه. وليس هذا من باب الإقسام فإن الإقسام بغيرجعفر أعظم، بل ههنا باء السبب، فحقه من باب حق الرحم، لأن حق عبد الله إنما وجب بسبب أبيه جعفر وحقه على علي - رضي الله عنه -.
ومن هذا الباب الحديث الذى رواه أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وابن ماجه مرفوعاً في دعاء الحارج إلى الصلاة:((اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك ... ... .)) الحديث. وهذا الحديث في إسناده العوفى وفيه ضعف. فإن كان كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو من هذا الباب لوجهين:
أحدهما - لأن فيه السؤال بحق السائلين، وبحق الماشين في طاعته. وحق السائلين أن يجيبهم، وحق الماشين أن يثبتهم. وهذا حق أوجبه هو سبحانه على نفسه، وليس للمخلوق أن يوجب على الخالق سبحانه شيئاً، ومنه قوله تعالى:{كتب ربكم على نفسه الرحمة} ، {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} ، {وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن} وفي الصحيح: ((حق الله تعالى على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله تعالى إذا فعلوا ذلك ألا يعذبهم)) .