للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كاستغاثة المسجون بالمسجون. ومن كلام السجاد - رضي الله عنه -: أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رايه، وضلة في عقله. ومن دعاء موسى عليه السلام: ((وبك المستغاث)) وقال - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنه -: ((إذا أستعنت فاستعن بالله ... )) الخبر. وقال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} . وبعد هذا كله، أن لا أرى باساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الله حياً وميتاً.

ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى، مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته. فيكون معنى قول القائل: إلهى أتوسل بجاه نبيك - صلى الله عليه وسلم -، أن تقضى لى حاجتى - إلهى أجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتى. ولا فرق بين هذا وقولك: إلهى أتوسل برحمتك أن تفعل كذا، إذ معناه أيضاً إلهى اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا.

بل لا أرى باساً أيضاً بالإقسام على الله بجاهه - صلى الله عليه وسلم - بهذه المعنى. والكلام في الحرمة كالكلام في الجاه، ولا يجرى ذلك في التوسل، والإقسام بالذات البحت. نعم، لم يعهد التوسل بالجاه والحرمة عن احد من الصحابة - رضي الله عنه -، ولعل ذلك كان تحاشياً منهم عما يخشى أن يتعلق به في اذهان الناس إذ ذاك، وهم قريبو عهد التوسل بالأصنام - شئ ثم اقتدى بهم من خلفهم من الأئمة الطاهرين.

وقد ترك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدم الكعبة وتاسيسها على قواعد إبراهيم، لكون القوم حديثى عهد بكفر، كما ثبت ذلك في الصحيح. وهذا الذى ذكرته إنما هو لدفع الحرج عن الناس، والفرار من دعوى تضليلهم، كما يزعمه البعض في التوسل بجاه عريض الجاه - صلى الله عليه وسلم -، لا للميل إلى أن الدعاء كذلك أفضل من أستعمال الأدعية المأثورة

<<  <   >  >>