وأما السفر إلى بقعة يغر المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليها إذا نذره، حتى نص بعض العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء، لأنه ليس من الثلاثة، مع أن مسجد قباء يستحب زيارته لمن كان بالمدينة، لأن ذلك ليس بشد رحل كما في الصحيح:((من تطهر في بيته ثم اتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة)) . وقالوا: ولأن السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين، ولا أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا استحبها أحد من ائمة المسلمين.
فمن أعتقد ذلك عبادة وفعلها، فهذا مخالف للسنة وإجماع الأمة.
وبهذا يظهر حجة ابي محمد، فإن زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم - لمسجد قباء لم تكن بشد رحل، وهو يسلم لهم أن السفر إليه لا يجب بالنذر. وقوله: إن قوله: ((لا تشد الرحال)) محمول على نفى الاستحباب - يجاب عنه من وجهين:
أحدهما - أن هذا تسليم منه أن هذا السفر ليس بعمل صالح - ولا قربة وطاعة.
ومن يعتقد في السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه قربه وطاعة فقد خالف الإجماع.
وإذا سافر لاعتقاده أنها طاعة فإن ذلك محرم بإجماع المسلمين، فصار التحريم من جهة اتخاذه قربة، ومعلوم أن أحداً لا يسافر إليها إلا ذلك. وأما إذا قدر أن شد الرحل إليها لغرض مباح، فهذا جائز من هذا الباب.
الوجه الثاني - أن النفي يقتضى النهي، والنهي يقتضى التحريم، وما ذكره من الأحاديث في زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فكلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة، ولم يحتج أحد من الأئمة منها بشئ، بل مالك إمام اهل المدينة النبوية، الذى هو أعلم الناس بحك