وقد فهمنا معنى قول أبي الجهير الخراساني النخاس، حين قال له الحجاج أتبيع الدواب المعيبة من جند السلطان؟ قال:«شريكاننا في هوازها، وشريكاننا في مداينها. وكما تجيء نكون» . قال الحجاج: ما تقول، ويلك! فقال بعض من قد كان اعتاد سماع الخطأ وكلام العلوج بالعربية حتى صار يفهم مثل ذلك: يقول: شركاؤنا بالأهواز وبالمدائن يبعثون إلينا بهذه الدواب، فنحن نبيعها على وجوهها.
وقلت لخادم لي: في أي صناعة أسلموا هذا الغلام؟ قال:«في أصحاب سند نعال» يريد: في أصحاب النعال السندية. وكذلك قول الكاتب المغلاق للكاتب الذي دونه:«اكتب لي قل خطين وريحني منه» .
فمن زعم أن البلاغة أن يكون السامع يفهم معنى القائل، جعل الفصاحة واللكنة، والخطأ والصواب، والاغلاق والإبانة، والملحون والمعرب، كله سواء، وكله بيانا. وكيف يكون ذلك كله بيانا، ولولا طول مخالطه السامع للعجم وسماعه للفاسد من الكلام، لما عرفه. ونحن لم نفهم عنه إلا للنقص الذي فينا. وأهل هذه اللغة وأرباب هذا البيان لا يستدلون على معاني هؤلاء بكلامهم كما لا يعرفون رطانة الرومي والصقلبي، وإن كان هذا الاسم إنما يستحقونه بأنّا نفهم عنهم كثيرا من حوائجهم. فنحن قد نفهم بحمحمة الفرس كثيرا من إرادته. وكذلك الكلب، والحمار، والصبي الرضيع.
وإنما عنى العتابي إفهامك العرب حاجتك على مجاري كلام العرب الفصحاء. وأصحاب هذه اللغة لا يفقهون قول القائل منا:«مكره أخاك لا بطل» . و:«إذا عز أخاك فهن» . ومن لم يفهم هذا لم يفهم قولهم: ذهبت إلى أبو زيد، ورأيت أبي عمرو. ومتى وجد النحويون أعرابيا يفهم هذا وأشباهه بهرجوه ولم يسمعوا منه، لأن ذلك يدل على طول إقامته في الدار التي تفسد اللغة وتنقص البيان. لأن تلك اللغة إنما انقادت واستوت، واطردت وتكاملت، بالخصال التي اجتمعت لها في تلك الجزيرة، وفي تلك الجيرة.