ولقد كان بين زيد بن كثوة يوم قدم علينا البصرة، وبينه يوم مات بون بعيد، على أنه قد كان وضع منزله في آخر موضع الفصاحة وأول موضع العجمة، وكان لا ينفك من رواة ومذاكرين.
وزعم أصحابنا البصريون عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: لم أر قرويين أفصح من الحسن والحجاج، وكان- زعموا- لا يبرّئهما من اللحن.
وزعم أبو العاصي أنه لم ير قرويا قط لا يلحن في حديثه، وفيما يجري بينه وبين الناس، إلا ما تفقده من أبي زيد النحوي، ومن أبي سعيد المعلم.
وقد روى أصحابنا أن رجلا من البلديين قال لأعرابي:«كيف أهلك» قالها بكسر اللام. قال الأعرابي: صلبا. لأنه أجابه على فهمه، ولم يعلم أنه أراد المسألة عن أهله وعياله.
وسمعت ابن بشير وقال له أبو الفضل العنبريّ: إني عثرت البارحة بكتاب، وقد التقطته، وهو عندي، وقد ذكروا أن فيه شعرا، فإن أردته وهبته لك. قال ابن بشير: أريده إن كان مقيّدا. قال: والله ما أدري أمقيّد هو أم مغلول. ولو عرف التقييد لم يلتفت إلى روايته.
وحكى الكسائي أنه قال لغلام بالبادية: من خلقك؟ وجزم القاف، فلم يدر ما قال، ولم يجبه، فرد عليه السؤال فقال الغلام: لعلك تريد من خلقك.
وكان بعض الأعراب إذا سمع رجلا يقول نعم في الجواب، قال:«نعم وشاء؟» ، لأن لغته نعم. وقيل لعمر بن لجأ: قل «إنا من المجرمين منتقمين» . قال:(إنّا من المجرمين منتقمون) .
وأنشد الكسائي كلاما دار بينه وبين بعض فتيان البادية فقال:
عجب ما عجب أعجبني ... من غلام حكمي أصلا
قلت هل أحسست ركبا نزلوا ... حضنا ما دونه قال هلا «١»