اليوم خمر ويبدو في غد خبر ... والدهر من بين إنعام وابآس
فاشرب على حدثان الدهر مرتفعا ... لا يصحب الهم قرع السن بالكاس
وقال أبو الطمحان القينيّ «١» في ذكر لقمان:
إن الزمان ولا تفنى عجائبه ... فيه تقطع ألّاف وأقران
أمست بنو القين أفراقا موزعة ... كأنهم من بقايا حيّ لقمان
وقد ذكرت العرب هذه الأمم البائدة، والقرون السالفة. ولبعضهم بقايا قليلة، وهم أشلاء في العرب متفرقون مغمورون، مثل جرهم وجاسم ووبار، وعملاق، وأميم، وطسم وجديس، ولقمان والهرماس، وبني الناصور وقيل بن عتر، وذي جدن. وقد يقال في بني الناصور إن أصلهم من الروم، فأما ثمود فقد خبر الله عز وجل عنهم فقال: وثمودا فما أبقى، وقال: فهل ترى لهم من باقية. فأنا أعجب من مسلم يصدق بالقرآن، يزعم أن قبائل العرب من بقايا ثمود.
وكان أبو عبيدة يتأول قوله: وَثَمُودَ فَما أَبْقى
، إن ذلك إنما وقع على الأكثر، وعلى الجمهور الأكبر. وهذا التأويل أخرجه من أبي عبيدة سوء الرأي في القوم، وليس له أن يجيء إلى خبر عام مرسل غير مقيد وخبر مطلق غير مستثنى منه، فيجعله خاصا كالمستثنى منه. وأي شيء بقي لطاعن أو متأول بعد قوله: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ
. فكيف يقول ذلك إذا كنا نحن قد نرى منهم في كل حي باقية. معاذ الله من ذلك.
ورووا أن الحجاج قال على المنبر يوما: تزعمون أنّا من بقايا ثمود، وقد قال الله عز وجل: وَثَمُودَ فَما أَبْقى.
فأما الأمم البائدة من العجم، مثل كنعان ويونان وأشباه ذلك، فكثير ولكن العجم ليس لها عناية بحفظ شأن الأموات ولا الأحياء.