فكيف تهاب منزلة الخطباء وداود عليه السلام سلفك، وشعيب إمامك مع ما تلوناه عليك في صدر هذا الكتاب من القرآن الحكيم، والآي الكريم. وهذه خطب رسول الله صلّى الله عليه وآله مدونة محفوظة، ومخلدة مشهورة، وهذه خطب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم.
وقد كان لرسول الله شعراء ينافحون عنه وعن أصحابه بأمره، وكان ثابت ابن قيس بن الشماس الأنصاري خطيب رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا يدفع ذلك أحد.
فأما ما ذكرتم من الإسهاب والتكلف، والخطل والتزيد، فإنما يخرج إلى الإسهاب المتكلف، وإلى الخطل المتزيد.
فأما أرباب الكلام، ورؤساء أهل البيان، والمطبوعون المعددون، وأصحاب التحصيل والمحاسبة، والتوقي والشفقة، والذين يتكلمون في صلاح ذات البين، وفي إطفاء نائرة، أو في حمالة «١» ، أو على منبر جماعة، أو في عقد أملاك بين مسلم ومسلمة- فكيف يكون كلام هؤلاء يدعو إلى السلاطة والمراء، وإلى الهذر والبذاء، وإلى النفج والرياء. ولو كان هذا كما يقولون لكان علي ابن أبي طالب، وعبد الله بن عباس أكثر الناس فيما ذكرتم. فلم خطب صعصعة بن صوحان عند علي بن أبي طالب، وقد كان ينبغي للحسن البصري أن يكون أحقّ التابعين بما ذكرتم؟
قال الأصمعي: قيل لسعيد بن المسيب «٢» : ها هنا قوم نساك يعيبون إنشاد الشعر. قال:«نسكوا نسكا أعجميا» .
وقد زعمتم أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال:«شعبتان من شعب النفاق: البذاء، والبيان. وشعبتان من شعب الإيمان: الحياء، والعيّ» . ونحن نعوذ بالله أن يكون القرآن يحث على البيان ورسول الله صلّى الله عليه وآله يحث على العيّ، ونعوذ بالله أن