للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واهتمام الجاحظ بالزهاد لا يدل على رضاه عنهم أو تأييد مذهبهم فلقد كان ينتقدهم نقدا لاذعا ويرميهم بالهروب من العمل واللجوء إلى التواكل والكسل. ويعتبر تصرفاتهم لا تمت إلى الإيمان بصلة ولا تزيد فيه شيئا. ويعكس رأيه فيهم قول أعرابي ذكر عنده رجل «بشدة الاجتهاد وكثرة الصوم وطول الصلاة فقال: هذا رجل سوء، أو ما يظن هذا أن الله يرحمه حتى يعذب نفسه هذا التعذيب؟» «١» .

أما الشعوبية فتعني تعصب كل شعب لقوميته وحضارته، وبغض العرب، وقد اشتدت هذه الحركة في العصر العباسي ولا سيما الزمن الذي عاش فيه الجاحظ، ونجمت عن تعدد الشعوب التي ضمها المجتمع العباسي من فرس وزنج وروم وهنود إلى جانب العرب الذين يمثلون الأمة الحاكمة. فكانت محاولة هذه الشعوب إثبات وجودها والادلال بمآثرها وحضاراتها والبرهنة أن العرب ليسوا أفضل من سائر الأمم بل هم دونها شأنا.

وقد أعار الجاحظ الحركة الشعوبية اهتماما كبيرا فتحدث عنها في كتب عديدة: الحيوان، رسالة النابتة، رسالة فضل السودان على البيضان، رسالة الترك وعامة جند الخلافة، وكتاب البيان والتبيين. ولا يهمنا في هذه المقدمة سوى ما ورد حولها في كتاب البيان والتبيين.

خصّص الجاحظ للشعوبية قسما من الجزء الثالث عنوانه كتاب العصا، أورد فيه مطاعن الشعوبية على العرب والرد عليها. لقد طعنت الشعوبية على العرب أخذهم المخصرة عند إلقاء الخطب. واحتجت بقولها إنه لا يوجد بين العصا والخطبة سبب، وأن العصا لم توجد للخطابة بل للقتال أو الهش على المواشي. وأنها لا تنفع الخطيب في شيء، وهي تلهي السامع. والعرب قوم رعاة اعتادوا على حمل العصا في رعي مواشيهم فنقلوا تلك العادة إلى خطابتهم.

وطعنت الشعوبية على العرب ضعف ملكتهم الخطابية، وقالت إنهم لا يضاهون الفرس واليونان والهنود في مضمار الخطابة والبلاغة. والدليل على

<<  <  ج: ص:  >  >>