ذلك أن للفرس كتبا ورسائل محبرة مثل كتاب كاروند وسير الملوك، ولليونان كتبا في المنطق والحكمة، وللهنود كتبا في الحكمة والاسرار وليس للعرب مثل تلك الرسائل والكتب.
وفيما يتعلق بالحرب رمت الشعوبية العرب بجهلهم فنون الحرب والأسلحة. فهم لا يتقنون تنظيم الجيوش ولا يعرفون الكمين والميمنة والميسرة والقلب والجناح، والقتال في الليل. ولا يحسنون استعمال الأسلحة التي يحسنها الفرس كالنفاضة والدراجة والرتيلة والعرادة، والمنجنيق والدبابة. ثم إن رماح العرب رديئة النوع لا تضارع رماح الفرس الجيدة «١» .
وقد رد الجاحظ على مطاعن الشعوبية فقال إن الرماح العربية أجود من الرماح الفارسية وهي متنوعة منها النيزك والمربوع والمخموس والتام. وليس صحيحا أن العرب لا يحسنون القتال في الليل، إنهم يقاتلون في الليل كما يقاتلون في النهار.
أما الرسائل المنسوبة إلى الفرس فليست صحيحة، وهي منحولة ولدها أمثال ابن المقفع وسهل بن هارون وعبد الحميد وغيلان ونسبوها إلى قومهم الفرس.
أما ملكة العرب الخطابية فأمر ظاهر جلي لا يحتاج إلى برهان. ويكفي أن نأخذ بيد الشعوبي وندخله بلاد العرب الخلص، معدن الفصاحة، ونوقفه على خطيب مصقع أو شاعر مفلق ليعلم الحق ويبصر الشاهد عيانا. صحيح أن للهند كتبا مخلدة ولكنها لا تضاف إلى رجل معروف، وأن لليونان فلسفة وصناعة منطق ولكن صاحب المنطق كان بكيء اللسان، وأن للفرس خطباء ولكن كل كلام للفرس إنما هو ثمرة التفكير والدراسة وكد الخاطر. أما العرب فكلامهم وليد البديهة والإلهام، لا يعانون فيه جهدا ولا يجيلون فكرا. ولذلك يقطع الجاحظ بأن العرب أخطب الأمم «٢» .