وأنشدوه قصيدة عبدة بن الطبيب الطويلة التي على اللام، فلما بلغ المنشد إلى قوله:
والمرء ساع لشيء ليس يدركه ... والعيش شحّ وإشفاق وتأميل
قال عمر متعجبا:
والعيش شح وإشفاق وتأميل
يعجّبهم من حسن ما قسّم وما فصّل.
وأنشدوه قصيدة أبي قيس بن الأسلت التي على العين، وهو ساكت، فلما انتهى المنشد إلى قوله:
الكيس والقوة خير من الإشفاق والفهمة والهاع أعاد عمر البيت وقال:
الكيس والقوة خير من الإشفاق والفهّة والهاع وجعل عمر يردد البيت ويتعجب منه.
قال محمّد بن سلام، عن بعض أشياخه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر.
وقال أبو عمرو بن العلاء: كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيّد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم. فلما كثر الشعر والشعراء، واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر. ولذلك قال الأول:«الشعر أدنى مروءة السري، وأسرى مروءة الدنيّ» .