وأبين الكلام كلام الله، وهو الذي مدح التبيين وأهل التفصيل. وفي هذا كفاية إن شاء الله.
وقال دغفل بن حنظلة: إن للعلم أربعة: آفة، ونكدا، وإضاعة، واستجاعة. فآفته النسيان، ونكده الكذب، وإضاعته وضعه في غير موضعه، واستجاعته أنك لا تشبع منه.
وإنما عاب الاستجاعة لسوء تدبير أكثر العلماء، ولخرق سياسة أكثر الرواة، لأن الرواة إذا شغلوا عقولهم بالازدياد والجمع، عن تحفظ ما قد حصلوه، وتدبّر ما قد دونوه، كان ذلك الازدياد داعيا إلى النقصان، وذلك الربح سببا للخسران. وجاء في الحديث:«منهومان لا يشبعان: منهوم في العلم، ومنهوم في المال» .
وقالوا: علم علمك، وتعلم علم غيرك، فإذا أنت قد علمت ما جهلت، وحفظت ما علمت.
وقال الخليل بن أحمد: اجعل تعلمك دراسة لعلمك، واجعل مناظرة المتعلم تنبيها على ما ليس عندك.
وقال بعضهم- وأظنه بكر بن عبد الله المزنيّ-: لا تكدّوا هذه القلوب ولا تهملوها، فخير الفكر ما كان عقب الجمام، ومن أكره بصره عشي. وعاودوا الفكرة عند نبوات القلوب، واشحذوها بالمذاكرة، ولا تيأسوا من إصابة الحكمة إذا امتحنتم ببعض الاستغلاق، فإن من أدام قرع الباب ولج.
وقال الشاعر:
إذا المرء أعيته السيادة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد
وقال الأحنف:«السؤدد مع السواد» . وتقول الحكماء:«من لم ينطق بالحكمة قبل الأربعين لم يبلغ فيها» . وأنشد: