للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبه، ونفع الكلام يعم ويخص، والرواة لم ترو سكوت الصامتين، كما روت كلام الناطقين، وبالكلام ارسل الله أنبياءه لا بالصمت، ومواضع الصمت المحمودة قليلة، ومواضع الكلام المحمودة كثيرة، وطول الصمت يفسد اللسان.

وقال بكر بن عبد الله المزني: «طول الصمت حبسة» كما قال عمر بن الخطاب رحمه الله: «ترك الحركة عقلة» .

وإذا ترك الإنسان القول ماتت خواطره، وتبلّدت نفسه، وفسد حسّه.

وكانوا يروون صبيانهم الأرجاز، ويعلّمونهم المناقلات، ويأمرونهم برفع الصوت وتحقيق الإعراب، لأن ذلك يفتق اللهاة، ويفتح الجرم «١» .

واللسان إذا أكثرت تقليبه رق ولان، وإذا أقللت تقليبه وأطلت إسكاته جسأ وغلظ.

وقال عباية الجعفيّ: «لولا الدربة وسوء العادة لأمرت فتياننا أن يماري بعضهم بعضا» .

وأية جارحة منعتها الحركة، ولم تمرّنها على الاعتمال، أصابها من التعقّد على حسب ذلك لمنع. ولم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله للنابغة الجعدي: «لا يفضض الله فاك» ؟ ولم قال لكعب بن مالك: «ما نسي الله لك مقالك ذلك» ؟ ولم قال لهيذان بن شيخ: «ربّ خطيب من عبس» ؟ ولم قال لحسان: «هيّج الغطاريف على بني عبد مناف، والله لشعرك أشد عليهم من وقع السهام، في غبش الظلام» «٢» ؟

وما نشك أنه عليه السلام قد نهى عن المراء، وعن التزيد والتكلف، وعن كل ما ضارع الرياء والسمعة، والنفج والبذخ، وعن التهاتر والتشاعب، وعن المماتنة والمغالبة «٣» . فأما نفس البيان، فكيف ينهى عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>