للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلامة فوق الغنيمة، لأن السلامة أصل والغنيمة فرع.

وقال النبي صلّى الله عليه وآله: «إن الله يبغض البليغ الذي يتخلّل بلسانه، تخلل الباقرة بلسانها» .

وقيل: «لو كان الكلام من فضة، لكان السكوت من ذهب» .

قال صاحب البلاغة والخطابة، وأهل البيان وحب التبيّن: إنما عاب النبي صلّى الله عليه وآله المتشادقين والثرثارين والذي يتخلّل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها، والأعرابيّ المتشادق، وهو الذي يصنع بفكيه وبشدقيه ما لا يستجيزه أهل الأدب من خطباء أهل المدر، فمن تكلف ذلك منكم فهو أعيب، والذم له ألزم.

وقد كان الرجل من العرب يقف الموقف فيرسل عدة أمثال سائرة، ولم يكن الناس جميعا ليتمثلوا بها إلا لما فيها من المرفق والانتفاع، ومدار العلم على الشاهد والمثل، وإنما حثوا على الصمت لأن العامة إلى معرفة خطأ القول، أسرع منهم إلى معرفة خطأ الصمت. ومعنى الصامت في صمته أخفى من معنى القائل في قوله، وإلا فإن السكوت عن قول الحقّ في معنى النطق بالباطل. ولعمري إن الناس إلى الكلام لأسرع، لأن في أصل التركيب أن الحاجة إلى القول والعمل أكثر من الحاجة إلى ترك العمل، والسكوت عن جميع القول. وليس الصمت كله أفضل من الكلام كله، ولا الكلام كله أفضل من السكوت كله، بل قد علمنا أن عامة الكلام أفضل من عامة السكوت. وقد قال الله عز وجل: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ

. فجعل سمعه وكذبه سواء.

وقال الشاعر:

بني عدي ألا يا انهوا سفيهكم ... إن السفيه إذا لم ينه مأمور

وقال آخر:

فإن أنا لم آمر ولم أنه عنكما ... ضحكت له حتى يلجّ ويستشري

وكيف يكون الصمت أنفع، والإيثار له أفضل، ونفعه لا يكاد يجاوز رأس

<<  <  ج: ص:  >  >>