الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطعات المتخيرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة» .
وهكذا نلفي في كل جزء من أجزاء الكتاب الثلاثة بحثا في البيان والتبيين، ومجموعات من الأحاديث والخطب والمقطعات والجوابات والأشعار.
ولقد التزم الجاحظ هذا التصميم وقصد إليه قصدا ليجنب القارىء الملل أو السأم بتنويع الموضوعات. وقد عبّر عن ذلك بقوله:«وجه التدبير في الكتاب إذا طال أن يداوي مؤلفه نشاط القارىء له، ويسوقه إلى حظه بالاحتيال له، فمن ذلك أن يخرجه من شيء إلى شيء ومن باب إلى باب، بعد أن لا يخرجه من ذلك الفن، ومن جمهور ذلك العلم»«١» .
بهذا برر الجاحظ طرقه الموضوعات ذاتها في كل جزء من أجزاء الكتاب. فموضوع علم البيان وفلسفة اللغة توزع على الأجزاء الثلاثة: في الجزء الأول تحدث عن مفهوم البيان وأنواعه، وآفات اللسان، والبلاغة والفصاحة. وفي الجزء الثاني تحدث عن الخطابة وطبقات الشعراء. وفي الجزء الثالث تكلم على أصل اللغة وقيمة الشعر. وفي كل جزء من الأجزاء الثلاثة أورد أبو عثمان منتخبات من كلام الأبيناء، خطبا ومقطعات وأحاديث ورسائل وأشعارا، نسبها إلى مختلف طبقات الناس: عقلاء وحمقى، نساك ومتهتكين، أعراب ومتحضرين، رؤساء وسوقة. وإذا سئل الجاحظ: لم لم تجمع كلامك على البيان وفلسفة اللغة في مكان واحد من الكتاب؟ ولم لم تضم أخبار الزهاد والنساك وأقوالهم في باب واحد ولم وزعت أخبار النوكى وأقوالهم على الأجزاء الثلاثة، ولم عدت إلى الكلام على الخطابة والخطباء مرارا وبعثرت خطبهم هنا وهناك الخ ردد صاحبنا الجواب ذاته واعتل بالعلة ذاتها.