ألّف الجاحظ كتاب البيان والتبيين (القسم الأول منه) في الفترة التي اتصل فيها بالقاضي أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي النزعة (بعد ٢٣٢ هـ) ونال عليه جائزة سنية تبلغ خمسة آلاف دينار، وأتمه بعد انتقاله إلى البصرة عند ما طعن في السن «١» . وقد شرع بتأليفه بعد كتاب الحيوان كما يتضح من كلام الجاحظ ذاته حيث يقول:«كانت العادة في كتاب الحيوان أن أجعل في كل مصحف من مصاحفه عشر ورقات من مقطعات الأعراب ونوادر الأشعار لما ذكرت عجبك بذلك فأحببت أن يكون حظ هذا الكتاب من ذلك أوفر إن شاء الله»«٢» .
ويلاحظ أن الجاحظ تناول موضوع البيان في مقدمة الحيوان والجزء الأول من البيان والتبيين مرددا الأفكار ذاتها، وإذا كانت مقدمة «الحيوان» كتبت بعد الفراغ من تأليفه فهل يعني ذلك أنه طرق الموضوع على عجل في مقدمة «الحيوان» ثم استأنف التوسع فيه في «البيان والتبيين» ؟.
مهما كان من أمر فقد جاء كتاب البيان والتبيين استجابة لاهتمام العرب في ذلك العصر بصناعة الكلام لأن الكلام هو الوسيلة المثلى لنشر المبادىء السياسية والعقائد الدينية في زمن كثرت المذاهب واشتد الصراع بين زعمائها واحتدم الجدل بين أنصارها. فمست الحاجة إلى التمرس بالخطابة والمناظرة وإلى وضع أصول لها تتعلم أو يرجع إليها. وقد أشار الجاحظ إلى النشاط الذي بدأ يبذل في تعليم أسس الخطابة حيث يقول:«مرّ بشر بن المعتمر بإبراهيم بن جبلة بن مخرمة السكوني الخطيب، وهو يعلم فتيانهم الخطابة، فوقف بشر، فظن إبراهيم أنه إنما وقف ليستفيد أو ليكون رجلا في النظارة، فقال بشر:
اضربوا عما قال صفحا واطووا عنه كشحا، ثم دفع إليهم صحيفة من تحبيره وتنميقه» «٣» . كما أشار إلى حاجة المتكلم الماسة إلى البيان لأنه مضطر