للاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل وأنه لا بد له من مقارعة الأبطال ومن الخطب الطوال «١» .
وقد يخطر على الذهن افتراض آخر وهو محاكاة الجاحظ أرسطو في معالجة هذا الموضوع. لقد بحث أرسطو في الحيوان فجاء الجاحظ يطرق الموضوع ذاته، وبحث أرسطو في الخطابة وفي الشعر، فهل أراد الجاحظ معارضته في هذا المضمار أيضا؟ من الثابت أن كلا الرجلين بحثا الموضوع ذاته، ولكن الخلاف بينهما في الآراء والمنهج كبير. ولم يكن الجاحظ من المعجبين بأرسطو، وقد انتقده مرارا في كتاب الحيوان وفي كتاب الحيوان وفي كتاب البيان والتبيين. لنسمعه يقول عن أرسطو:«ولليونان فلسفة وصناعة منطق، وكان صاحب المنطق نفسه بكيء اللسان غير موصوف بالبيان مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه وبخصائصه ... » . أضف إلى ذلك أنه لم يذكر أنه اطلع على كتاب الخطابة لأرسطو أو على كتاب الشعر، بينما ذكر كتاب الحيوان لأرسطو مرارا عديدة.
لقد تكلم الجاحظ على صفات الخطيب مثل أرسطو ولكنه اهتم على عكس أرسطو بظاهره ولم يحفل بباطنه وأخلاقه. ورأى أن أهم صفات الخطيب جهارة الصوت وسعة الفم ورباطة الجأش وسكون الجوارح وقلة اللحظ، وأبشع عيوبه العي أو الحصر ثم اللثغة واللحن واللكنة والتشديق والتقعيب والتزيد.
وتحدث على غرار أرسطو عن أنواع الخطب ولكنه لم يتعمق في ذلك كأرسطو واكتفى بذكر بعضها دون توقف مثل خطبة المحافل، وخطبة النكاح، وخطبة الوعظ.
وبحث في بناء الخطبة كأرسطو، ولكنه اقتصر على الناحية الفنية ولم يحفل بالناحية الفكرية. فلاحظ أن الخطبة تكون طويلة أو قصيرة، وتبدأ بالتحميد والتمجيد وإلا عدت بتراء، وتوشح بآي القرآن وإلا سميت شوهاء.