تأتيهم المعاني سهوا ورهوا «١» ، وتنثال عليهم الألفاظ اشيالا. وإنما الشعر المحمود كشعر النابغة الجعدي ورؤبة. ولذلك قالوا في شعره: مطرف بآلاف وخمار بواف. وقد كان يخالف في ذلك جميع الرواة والشعراء. وكان أبو عبيدة يقول ويحكي ذلك عن يونس.
ومن تكسب بشعره والتمس به صلات الأشراف والقادة، وجوائز الملوك والسادة، في قصائد السماطين، وبالطوال التي تنشد يوم الحقل، لم يجد بدا من صنيع زهير والحطيئة وأشباههما، فإذا قالوا في غير ذلك أخذوا عفو الكلام وتركوا المجهود، ولم نرهم من ذلك يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد في صنعة طوال الخطب، بل كان الكلام البائت عندهم كالمقتضب، اقتدارا عليه، وثقة بحسن عادة الله عندهم فيه. وكانوا مع ذلك إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الأمور، ميّثوه «٢» في صدورهم، وقيدوه على أنفسهم، فإذا قوّمه الثقاف وأدخل الكير، وقام على الخلاص، أبرزوه محكما منقحا، ومصفى من الأدناس مهذبا. قال الربيع بن أبي الحقيق لأبي ياسر النضيري:
فلا تكثر النجوى وأنت محارب ... تؤامر فيها كل نكس مقصر
وقال عبد الله بن وهب الراسبي:«إياي والرأي الفطير» .
وكان يستعيذ بالله من الرأي الدّبري، الذي يكون من غير روية، وكذلك الجواب الدبري.
وقال سبحان وائل:«شر خليطيك السؤوم المحزّم» لأن السؤوم لا يصبر، وإنما التفاضل في الصبر. والمحزم صعب لا يعرف ما يراد منه، وليس الحزم إلا بالتجارب، وبأن يكون عقل الغريزة سلما إلى عقل التجربة. ولذلك قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«رأي الشيخ أحب إلينا من جلد الشاب» .