الحليم فينهاه. قال: كم أتت عليك سنة؟ قال: خمسون وثلاثمائة. قال: فما أدركت؟ قال: أدركت سفن البحر ترفأ إلينا في هذا الجرف، ورأيت المرأة من أهل الحيرة تأخذ مكتلها على رأسها ولا تتزود إلا رغيفا وغحدا، فلا تزال في قرى مخصبة متواترة حتى ترد الشام. ثم قد اصبحت خرابا يبابا، وذلك دأب الله في العباد والبلاد.
قال: وأتى أزهر بن عبد الحارث رجل من بني يربوع، فقال: ألا أدخل؟ قال: وراءك أوسع لك. قال: قد أحرقت الشمس رجلي. قال: بل عليهما تبردا. فقال: يا آل يربوع! قال: ذليلا دعوت. يا بني دريص، أطعمتكم عاما أو جلّة، فأكلتم جلتكم، وأغرتم على جلة الضيفان.
وقال الحجاج لرجل من الخوارج: أجمعت القرآن؟ قال: أمتفرقا كان فأجمعه. قال: أتقرؤه ظاهرا؟ قال: بل أقرؤه وأنا انظر إليه. قال:
أفتحفظه؟ قال: أخشيت فراره فأحفظه. قال: ما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: لعنه الله ولعنك معه. قال: إنك مقتول فكيف تلقى الله؟.
قال: ألقى الله بعملي وتلقاه أنت بدمي.
وقال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني، أزحم العلماء بركبتيك، ولا تجادلهم فيمقتوك، وخذ من الدنيا بلاغك، وأبق فضول كسبك لآخرتك، ولا ترفض الدنيا كلّ الرفض فتكون عيالا، وعلى أعناق الرجال كلّا، وصم صوما يكسر شهوتك، ولا تصم صوما يضر بصلاتك، فإن الصلاة أفضل من الصوم، وكن كالاب لليتيم، وكالزوج للأرملة، ولا تحاب القريب، ولا تجالس السفيه، ولا تخالط ذا الوجهين البتة.
وسمع الأحنف رجلا يطري يزيد عند معاوية، فلما خرج من عنده اسحنفر «١» في ذمهما، فقال له الأحنف: مه، فإن ذا الوجهين لا يكون عند الله وجيها.