واستدم الراهن منها بكرم الجوار، واستفتح باب المزيد بحسن التوكل، ولا تحسب أن سبوغ ستر نعم الله عليك غير متقلّص عما قريب إذا لم ترج لله وقارا. وإني لأخشى أن يأتيك أمر الله بغتة، أو الإملاء «١» فهو أوبأ مغبة، واثبت في الحجة، ولأن لا تعمل ولا تعلم خير من أن تعلم ولا تعمل. إن الجاهل لم يؤت من سوء نية ولا استخفاف بربوبية، ليس كمن قهرته الحجة واعرب له الحق مفصحا عن نفسه، فآثر الغفلة، والخسيس من الشهوة، على الله عز وجل، فأسمحت نفسه عن الجنة، واسلمها لآبد العقوبة. فاستشر عقلك وراجع نفسك، وادرس نعم الله عندك، وتذكر احسانه إليك، فإنه مجلبة للحياء، ومردعة للشهوة، ومشحذة على الطاعة، فقد أظل البلاء أو كأن قد، فكفكف عنك غرب شؤبوبه «٢» ، وجوائح سطوته، بسرعة النزوع، وطول التضرّع، ثلاث هي اسرع في العقل من النار في يبيس العرفج: إهمال الفكرة، وطول التمني، والإستغراب في الضحك. إن الله لم يخلق النار عبثا، ولا الجنة هملا، ولا الإنسان سدى. فاعترف رقّ العبودية، وعجز البشرية، فكل زائد ناقص، وكلّ قرين مفارق قرينه، وكل غني محتاج، وإن عصفت به الخيلاء وأبطره العجب، وصال على الأقران، فإنه مذال مدّبر، ومقهور ميسّر. إن جاع سخط المحنة، وإن شبع بطر النعمة. ترضيه اللمحة فيستشري مرحا، وتغضبه الكلمة فيستطير شققا، حتى تنفسخ لذلك منّته، وتنتقض مريرته، وتضطرب فريصته «٣» ، وتنتشر عليه حجّته. وللعجب من لبيب توبقه الحياطة، ويسلم مع الإضاعة، ويؤتى من الثقة ولا يشعر بالعاقبة. إن أهمل عمي، وإن علّم نسي. كيف لم يتخذ الحق معقلا ينجيه، والتوكل ذائدا يحميه. أعمي عن الدلالة، وعن وضوح الحجة، أم آثر العاجل الخسيس، على الآجل النفيس؟ وكيف توجد هذه الصفة مع صحة العقدة «٤» ، واعتدال الفطرة؟ وكيف يشير رائد العقل، بإيثار القليل الفاني على الكثير الباقي. وما