اظن الذي أقعدك عن تناول الحظ، مع قرب مجناه، حتى صار لا يثنيك زجر الوعيد، ولا يكدح في عزماتك فوت الجنة، وحتى ثقلت على سمعك الموعظة، ونبت عن قلبك العبرة إلا طول مجاورة التقصير، واعتياد الراحة، والأنس بالهوينى، وايثار الأخف، وألف قرين السوء. فاذكر الموت وأدم الفكرة فيه، فإن من لم يعتبر بما يرى لم يعتبر بما لا يرى. وإنّ كل ما يوجد بالعيان من مواقع العبرة لا يكشف لك عن قبيح ما أنت عليه، وهجنة ما أصبحت فيه، من إيثار باطلك على حق الله، واختيار الوهن على القوة، والتفريط على الحزم، والأسفاف إلى الدون، واصطناع العار، والتعرض للمقت، وبسط لسان العائب- فمستنبطات الغيب أحرى بالعجز عن تحريكك، ونقلك عن سوء العادة التي آثرتها على ربك. فاستحي للبّك، واستبق ما أفضل الخذلان من قوتك، قبل أن يستولي عليك الطبع، ويشتدّ بك العجز. أو ما علمت أن المعصية تثمر المذلة، وتفلّ غرب اللسان، مع السلاطة. بل ما علمت أن المستشعر بذل الخطيئة، المخرج نفسه من كنف العصمة، المتحلي بدنس الفاحشة، نظف «١» الثناء، زمر المروءة «٢» ، قصيّ المجلس، لا يشاور وهو ذو بزلاء «٣» ولا يصدر وهو جميل الرّواء، يسالم من كان يسطو عليه، ويضرع لمن كان يرغب إليه. يجذل بحاله المبغض الشانيء، ويثلب بقربه القريب الداني، غامض الشخص ضئيل الصوت، نزر الكلام متلجلج الحجة، يتوقع الإسكات عند كل كلمة، وهو يرى فضل مزيته وصريح لبه، وحسن فضيلته، ولكن قطعه سوء ما جنى على نفسه. ولو لم تطلع عليه عيون الخليقة لهجست العقول بأذهانه. وكيف يمتنع من سقوط القدر وظن المتفرس، من عري عن حلية التقوى، وسلب طابع الهدى. ولو لم يتغشّه ثوب سريرته، وقبيح ما احتجن «٤» إليه من مخالفته ربّه، لا ضرعته الحجة «٥» ولفسخه وهن الخطيئة، ولقطعه العلم