للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان يغنيك ما يكفيك فالقليل من الدنيا يغنيك. يا بن آدم، لا تعمل شيئا من الحق رياء، ولا تتركه حياء.

وكان يقول: إن العلماء كانوا قد استغنوا بعلمهم من أهل الدنيا، كانوا يقضون بعلمهم على أهل الدنيا ما لا يقضي أهل الدنيا بدنياهم فيها، وكان أهل الدنيا يبذلون دنياهم لأهل العلم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم اليوم يبذلون علمهم لأهل الدنيا رغبة في دنياهم، فرغب أهل الدنيا بدنياهم عنهم، وزهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم.

وكان يقول: لا أذهب إلى من يواري عني غناه ويبدي لي فقره ويغلق دوني بابه ويمنعني ما عنده، وادع من يفتح لي بابه ويبدي لي غناه ويدعوني إلى ما عنده.

وكان يقول: يا بن آدم، لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا، وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر.

مؤمن متّهم، وعلج أغتم «١» وأعرابيّ لا فقه له، ومنافق مكذّب، ودنياويّ مترف، نعق بهم ناعق فاتبعوه، فرّاش نار وذبّان طمع.

والذي نفس الحسن بيده ما أصبح في هذه القرية مؤمن إلا وقد أصبح مهموما حزينا، وليس لمؤمن راحة دون لقاء الله، والناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم، فصار المؤمن إلى إيمانه، والمنافق إلى نفاقه. أي قوم، إن نعمة الله عليكم أفضل من أعمالكم، فسارعوا إلى ربكم، فإنه ليس لمؤمن راحة دون الجنة، ولا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همّه.

وقال الحسن في يوم فطر، وقد رأى الناس وهيئاتهم: إن الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق أقوام ففازوا وتخلّف آخرون فخابوا. فالعجب من الضاحك والله ان لو كشف الغطاء لشغل محسن بإحسانه، ومسيء بإساءته، عن اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>