وكان يقول: رحم الله رجلا خلا بكتاب الله فعرض عليه نفسه، فإن وافقه حمد ربه وسأله الزيادة من فضله، وإن خالفه إعتتب وأناب «١» ، ورجع من قريب. رحم الله رجلا وعظ أخاه وأهله فقال: يا أهلي، صلاتكم صلاتكم، زكاتكم زكاتكم، جيرانكم جيرانكم، إخوانكم إخوانكم، مساكنكم مساكنكم، لعل الله يرحمكم. فإن الله تبارك وتعالى أثنى على عبد من عباده فقال: وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا
. يا ابن آدم: كيف تكون مسلما ولم يسلم منك جارك، وكيف تكون مؤمنا ولم يأمنك الناس.
وكان يقول: لا يستحق أحد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب الناس بعيب هو فيه، ولا يأمر بإصلاح عيوبهم حتى يبدأ بإصلاح ذلك من نفسه، فإنه إذا فعل ذلك لم يصلح عيبا إلا وجد في نفسه عيبا آخر ينبغي له أن يصلحه. فإذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن عيب غيره. وإنك ناظر إلى عملك يوزن خيره وشره، فلا تحقرنّ شيئا من الخير وإن صغر، فإنك إذا رأيته سرّك مكانه. ولا تحقرن شيئا من الشر وإن صغر، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه.
وكان يقول: رحم الله أمرأ كسب طيّبا وأنفق قصدا، وقدّم فضلا. وجهوا هذه الفضول حيث وجهها الله، وضعوها حيث أمر الله، فإن من كان قبلكم كانوا يأخذون من الدنيا بلاغهم ويؤثرون بالفضل. ألا أن هذا الموت قد أضرّ بالدنيا ففضحها، فلا والله ما وجد ذولب فيها فرحا. فإياكم وهذه السبل المتفرقة، التي جماعها الضلالة وميعادها النار. أدركت من صدر هذه الأمة قوما كانوا إذا أجنّهم الليل فقيام على أطرافهم، يفترشون وجوههم، تجري دموعهم على خدودهم، يناجون مولاهم في فكاك رقابهم «٢» . إذا عملوا الحسنة سرتهم وسألوا الله أن يتقبلها منهم، وإذا عملوا سيئة ساءتهم وسألوا الله أن يغفرها لهم. يا بن آدم، إن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس ها هنا شيء يغنيك، وإن